إثبات صفة الكلام من المواضيع الخطيرة الجليلة، فقد حدث فيها من الافتراق بين الأمة ما لم يحدث في أي موضوع آخر من موضوعات العقيدة، فقد كَانَ أكثر موضوعات العقيدة خلافاً هو موضوع الإيمان، وأكثر المجالات التي تصارعت فيها الفرق واختلفت فيها الآراء منذ أن ظهرت الخوارج إِلَى القرن الثاني.
فلما ظهر القول بخلق القُرْآن وإنكار كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أصبحت قضية الكلام هي أخطر وأكبر قضية اختلف فيها الناس، وتجادلت فيها الفرق، وتنوزعت فيها الآراء.
هل عرف النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته التفلسف
لم يكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه يعرفون التفلسف والتمنطق والابتداع، وإنما كانوا يؤمنون بما أنزل الله ويتبعون ما جَاءَ من عند الله ويعلمون أن ربهم -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أجلَّ وأعظم من أن يكون صنماً لا يتكلم، كيف والهدى إنما نزل إليهم بكلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
وكيف ذلك وهم إنما يحرصون عَلَى القرآن؛ لأنه كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول لنبيه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ [التوبة:٦] وكيف ذلك والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في حق اليهود: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [الأعراف:١٤٨] فالرب والإله المعبود الذي لا يتكلم ولا يهدي، يسمى جماداً وصنماً، فلا يستحق أن يعبد: كالأحجار التي يعبدها الكفار، والأشجار والنيران والأبقار وبقية الأوثان التي يعبدونها من دون الله لا تكلمهم ولا تهديهم سبيلاً.