العبودية: هي الدرجة العليا في حقيقة كل مخلوق كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:٥٦] .
إفتقار الإنسان إلى الله تعالى، وعبوديته له سبحانه شرعاً أو كوناً
فكل مخلوق: هو عبد لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الحالتين، إما عبد من الناحية الاختيارية الشرعية، أو من الناحية الإجبارية الكونية، وذلك أن كل إنسان هو مخلوق بلا شك، ومحتاج، ومضطر، وفقير إِلَى من يطعمه، ويسقيه، ويسيِّر له هذا الجهاز الذي يحمله في المخ والقلب والمعدة والدورة الدموية وكل الأعضاء.
فمن الذي يسير كل هذا ويحركه؟! إنه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ففي الحقيقة أن جميع المخلوقين في هذا الجانب -من حيث التدبير والتصريف والقهر- بل جميع من في هذا الكون هو عبد خاضع لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، إذ هو الذي يحرك هذا الجسد، ويعطيه الغذاء، وهو الذي يسير كل أعماله.
ومع كل هذه النعم إلا أن بعض النَّاس في جانبهم الإرادي: يصرفون هذه الإرادات والحركات في غير طاعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفي غير تحقيق العبودية له سبحانه، وهذا هو سبب الشقاء الذي يقع فيه الكفار -أن الإِنسَان منهم مضاد لفطرته- فلو أنك جئت إِلَى إنسان فشققته شطرين، فكيف يمكن أن يستقر هذا الإِنسَان، وأي آلة من الآلات أو جهاز من الأجهزة يمشي في غير اتجاهه، فإنه يتقلب ويتصادم ويتمزق.
ولذلك نجد أن الإِنسَان الذي لا يطيع الله، ولا يحقق العبودية له سبحانه إنسان ممزق مضطرب، وكلما ازداد عبوديةً لله ازداد سكينة، وطمأنينة، وأمناً، وسلاماً، ورخاءً، وكلما بعد عن ذلك كلما زاد فيه الخوف، والشقاء، والتمزق، والاضطراب. فهذه حقيقة العبودية من الناحية الكونية.