أما من الناحية الإرادية؛ فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ميز الإِنسَان عن سائر الكائنات والمخلوقات؛ بأنه هو الذي يمكن أن يختار، وأن يفعل، وأنه قد يقتنع بالعمل ويفعله، ثُمَّ يندم ويحاسب نفسه لماذا أفعل أو العكس كما قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:١-٢] بخلاف غير الإِنسَان كالحيوان حتى لو أنه عمل عملاً من الأعمال بدافع الغريزة، وكان عليه فيه ضرر أو ألم، فإنه لا يحس في داخل نفسه أن هذا الشيء مرجعه الندم القريب.
فيعمل ويستمر في العمل ثُمَّ غريزة التراجع عن العمل هي التي ترده إذا رأى فيه ما يضره، كل ذلك بدافع واحد هو: دافع الغريزة فقط.
أمَّا الإِنسَان فالدوافع مختلفة فيه، ولذلك يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أصدق الأسماء حارث وهمام) وقوله (أصدقها) لا يدل عَلَى أفضليتها؛ لأن أفضلها عبد الله، وعبد الرحمن، وإنما أصدقها من حيث إنها ليس فيها مدح ولا ذم، أي كما نقول: فلان إنسان فهو كلام صرف ليس فيه زيادة ولا نقص، والإِنسَان حارث وهمام في طبيعته، فأي إنسان مثلاً سميته هماماً، مسلماً كَانَ أو كافراً فهو صادق عليه؛ لأن كل إنسان يهم، ويريد، ويفكر، ويتحرك قلبه، وشعوره، وإرادته.
وهو أيضاً عامل يعمل في أي نوع من أنواع العمل فأصدق الأسماء: يعني الاسم الذي ينطبق عليه عَلَى الحقيقة البشرية هو: أنه حارث، وهمام، وفي كل الأوقات لا يخلو الإِنسَان من الحرث، ومن الهم.