تقدم ذكر مذاهب النَّاس في مسألة العلو، لكن ينبغي أن نعرف خطر البدع وتسلسل بعضها من بعض، فإن أول ما يبدأ به الشخص أنه ينكر علو الله عَزَّ وَجَلَّ، ويقول: لا داخل ولا خارج ... ، فإذا أقر بهذا ودرسه وفهمه واستوعبه، أتاه الحلولي فقَالَ: ما دام أنك قلت: لا داخل ولا خارج ... ، فليس هو إلا هذا الكون فينتهي به الأمر إِلَى أن يقول: إن الله هو هذا الكون، أو إن الله حالٌ في هذا الكون، أي: إما اتحادي يقول اتحد في هذا الكون، أو يقول بوحدة الوجود، وأن ما في الوجود إلا هو، كما يقول ابن عربي في تفسير قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥] يقول: عَلَى أي شيء استوى، وما في الوجود إلا هو؟! فهو المستوي وهو المستوى عليه، عياذاً بالله.
ونحن نقول ويقول معنا الأشعرية والمعتزلة وأمثالهم: إن من قال إن الله تَعَالَى هو عين الموجودات كافر خارج عن الملة.
لكن من الذي يمهد لهذا الإِنسَان هذه الطريق ليصل به إِلَى الكفر؟ إنه من يقول من أهل البدع: إن الله في كل مكان، أو إنه لا داخل العالم ولا خارجه، أما المؤمن الذي يقرأ كتاب الله ويقرأ سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنك تجده يعرف ربه حق المعرفة؛ لأنه يقرأ سبعة مواضع في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ في إثبات الاستواء، فما بالك بالعلو الذي أدلته لا تحصى؟!
وكما سبق أن قلنا: إن العلو ثابت بالآيات والأحاديث، والعقل والفطرة والإجماع، لكن الاستواء بالذات ثابت بالنص أي بالآيات والأحاديث ونعلم أنه عال عَلَى المخلوقات حتى من غير النص ومن قبل أن يرد النص، يقول عنترة الشاعر المشهور:
يا عبل أين من المنية مهرب إن كَانَ ربي في السماء قضاها
فهو يثبت العلو ويثبت القدر، والذين ينفون العلو وينفون القدر خالفوا حتى المعاني الجاهلية، فالعلو ثابت بالعقول والفطر، والاستواء ثابت بالنص، وكل منهما يؤيد الآخر.