فالقرابة هي السبب في التوسل، ولايعني ذلك أن التوسل محصور في قرابة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعُمَر رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ إنما اجتهد ورأى أن فعله هذا قرينة يستجاب له مع وجودها، وليس شرطاً أننا لا نتوسل إلا بقريب لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك ما فعله معاوية رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وقد وصفه ابن عباس بأنه فقيه، فأعطى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان هذه الشهادة وهي وثيقة عظيمة بقوله:"إنه فقيه"، فمن فقه معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه لما أجدب أهل دمشق فاحتاجوا إِلَى استسقاء، خرجوا وكان معهم جملة من خيار الأمة في الشام، وكان أحد التابعين الفضلاء الصالحين الأولياء يُقال له: الأسود بن يزيد الجرشي فقال معاوية كمقولة عُمَر في العباس "اللهم إنا نتوسل إليك بالأسود بن يزيد يا أسود ارفع يديك وادع واسأل الله فدعا ودعوا، فمطروا بإذن الله تعالى".
فهذا فقه الصحابة الكرام، كانوا يعلمون حقيقة التوسل بعبدٍ من عباد الله الصالحين، نخرج به إِلَى الاستسقاء يدعو ونؤمن عَلَى دعائه، فإن كَانَ قريباً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسن، وإن لم يكن فلا بأس، وليس في ذلك تحديد رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.
وقول عُمَر رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ:"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك" أي: بذات نبيك، "بدعائه وسؤاله" وليس بجاهه، أو أن نقسم عليك به، فالاحتمالين كلاهما غير وارد في الباء.
يقول:[إذ لو كَانَ ذلك مراداً، لكان جاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم وأعظم من جاهالعباس] وجاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينقطع بالموت، لكن لأن الأموات لا يدعون، ولا يطلب منهم أن يدعو ولو كَانَ ذلك رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما إن كَانَ من الأحياء، فنطلب منه أن يدعو الله تَعَالَى وهذا كل ما في الأمر.