للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تظهر آثار صفات الله وأسمائه، لما سمى نفسه الغفور الرحيم ظهر أثر مغفرته ورحمته لهذا المخلوق، وهو رحمته به والتوبة عليه إذا أذنب واستغفر، ولما سمى نفسه الكريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ظهر أثر كرمه، وهو أن العبد يفعل الحسنة التي لا حول له فيها ولا قوة؛ بل هي من الله عَزَّ وَجَلَّ الذي وفقه لها وأعطاه القوة عليها، ثُمَّ يقابله الله عَزَّ وَجَلَّ بأن يجعل له عشرة أمثالها إِلَى سبعمائة ضعف، إِلَى أضعاف كثيرة، ولهذا الموضوع علاقة قوية بالدعاء.

علاقة الدعاء بصفات الله وأسمائه

ذكر ابن عقيل رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه الفنون أن من حكم مشروعية الدعاء أنه يدل عَلَى صفات الله جل وعلا، فمن ذلك الوجود لأنه لا يدعى إلا وهو موجود، ومن ذلك الغنى لأن الفقير لا يدعى، فمن دعا الله عَزَّ وَجَلَّ فهو مؤمن ومثبت لصفة الغنى، وهو أن الله عَزَّ وَجَلَّ غني والعبد هو الفقير الذي يحتاج إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن ذلك أيضاً أنه كريم؛ لأنه يوجد من الأغنياء من هو بخيل، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ غني ومع ذلك كريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يعطي حتى الكافر إذا دعاه في ساعة الشدة، وهكذا نجد أن الدعاء يتضمن هذه الصفات، فكذلك جميع أنواع العبادة تتضمن الإثبات، وظهور آثار صفات الله عَزَّ وَجَلَّ وأسمائه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فالله عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق وقدر لهم الأقدار، ثُمَّ أنزل لهم هذه الشرائع وأعطاهم المشيئة والقدرة والاختيار عَلَى أن يختاروا: طريق الإيمان أو طريق الكفر، وهذا الموضوع كله لا يزال دائراً في مسألة القدر وعلاقة ذلك بعلم الله وتقديره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبمشيئته جل شأنه.

ولهذا نجد أن المُصْنِّف استمر في هذا الكلام كما سيأتي.

قال الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

[وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن]

<<  <   >  >>