للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن هنا أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يصبر من جهة أن الله يدخل من يشاء ويهدي من يشاء، ولا يعني ذلك أن يرضى بكفرهم فلم يأمره ربه بذلك وحاشاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل هو الذي جاهدهم واستمر في جهادهم، لكن مع المجاهدة لم يؤمنوا؟ لأن الهداية والضلالة بيد الله تعالى، فقد كتب عليهم الشقاوة فليكونوا كذلك، فعليك أن تسلم بما كتب الله، ولهذا جَاءَ في سورة الأنعام ما هو أشد من ذلك، قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له: وَإِنْ كَانَ َ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُم فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ [الأنعام:٣٥] فلا يستطيع ذلك ولن يفعل.

وإنما هذا زيادة في تثبيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عدم اليأس والتحسر، وإنما عليه البلاغ وهذا له مقام آخر، وذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ مثالاً عَلَى ذلك فقَالَ: لو قتل إنساناً نفساً، القتل له اعتباران من حيث قدَّره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلاً للمقتول ونهاية لعمره يرضى به، وهذا أمر كتبه الله وقدَّره قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فلا مبدل لقدر الله ولا معقب لحكمه، فنرضى به من هذه الجهة، لكن لا نرضى عن القاتل، ولا نرضى عن فعله، فيُقَالُ: من حيث إن القاتل صدر منه القتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله نسخطه ولا نرضى به، وبهذه الأجوبة الثلاثة نكون قد أجبنا عَلَى السؤال الذي هو: كيف نرضى إذا كَانَ الكفر بقضاء الله وقدره؟

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:

[وقوله: [والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان] إِلَى آخره، التعمق: هو المبالغة في طلب الشيء والمعنى: أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان. الذريعة: الوسيلة، والذريعة والدرجة والسلم متقارب المعنى.

وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقارب المعنى أيضاً.

<<  <   >  >>