فلذلك نجد أن الإِنسَان إذا أراد التأسي فإنه يمكنه أن يتأسى بسيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواضحة، في مسجده وبيته، وقيادته للجيوش، أو في سياسته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأمة عامة، سواءً في معاملته مع أصحابه، أو في معاملته مع أعدائه، فكلها أمور واضحة حتى أدق الأمور في السياسة، وكذلك معاملة الإِنسَان للكفار من خلال معاهدات واضحة، واتفاقيات أو عقود ذمةٍ واضحةٍ جليةٍ، مالها وما عليها، حتى مع اليهود، كل ذلك في منتهى الوضوح؛ لكي يتأسى به النَّاس ولكي يعلموا أن هذا نبي من خلال سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليقرأها العالم ونتحداهم جميعاً أن يجدوا فيها مطعناً، وأي مطعن يمكن أن يجده الطاعنون في هذه السيرة الزكية العطرة، وهذا فضل من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ودلالة عَلَى أنه صادق وأن هذا القُرْآن من عند الله، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخبر عنه ربه، ما كَانَ يرجو أن يلقى إليه القرآن، ولكن رحمة الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- للعالمين هي التي اقتضت أن ينزل هذا الكتاب وأن يبعث هذا الرَّسُول.
واقع العرب بين ظلام الجاهلية ونور الإسلام:
إذا أردنا أن نعرف شيئاً من عظمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثره في واقع هذه الدنيا وفي حياة الإِنسَانية؛ فلننظر إِلَى واقع الأمم التي بُعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف كَانَ العالم قبيل مبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن أي مؤرخ مُنصف يقرأ ويتتبع حال العالم قبل بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حال العالم بعد أن عمَّ عليه نور الإسلام، فسيجد أن هذا نبي حقاً من عند الله، وليس بمفتر؛ بل سيجد أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم الخلق منّهً عَلَى البشر، وعلى الإِنسَانية جمعاء، وعلى سائر الحضارات.