وأما السحر فإن مجرد الاشتراك في التأثير لا يعني أنه سحر، فقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إن من البيان لسحراً) ، فكل ما كَانَ مؤثراً ففيه نوع من السحر، وكل ما كَانَ دقيقاً وخفياً فإنه يسمى في اللغة سحراً، والقرآن ليس بكلام ساحر، فإذا لم يكن كلام ساحر، ولا كاهن، ولا شاعر فكلام من؟ قالوا: مجنون! وهذه أعجب وأعجب، أمجنون يأتي بهذا الكلام؟ وأنتم العقلاء الذين في تمام العقل والفكر والوعي، وبيدكم أزمة البلاغة لا تستطيعون أن تأتوا بكلمة واحدة أو بآية واحدة فكيف بالمجنون؟ وإذا كَانَ المجنون يأتي بالخير ويهدي النَّاس ويخرجهم من الظلمات إِلَى النور، فأين العقلاء؟!
فقريش مهما حاولت بالطعن في النبي -وهي أكثر ما جَاءَ في القُرْآن التصريح بكذبها، وهي التي عاندته ووقفت في وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن في كلامها ولا في مواقفها ما يدل عَلَى الإطلاق بأن هناك ما يقدح في نبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل كَانَ الإِنسَان منهم يبهره خلقه وتبهره معاملته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سراقة بن مالك وسواري كسرى
فهذا سراقة بن مالك الجعشمي يطارد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الهجرة؛ ليفوز بالنوق التي جعلتها قريش لمن يخبر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما ساخت قوائم الفرس في الصخر - وهذه من الله -عَزَّ وَجَلَّ- آية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجب، وكان كلما مشى ساخت قوائم فرسه، ولا تستطيع أن ترفع يديها ليدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك لم يرد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعود خائباً، فقَالَ:(سراقة لم تصنع هذا؟) قَالَ: إن قريشاً قد وعدوني بكذا من الإبل، قَالَ:(أوليس لك بخير منها؟ قَالَ: وما هما، قَالَ: سواريكسرى) .