وأخذ الأئمة من بعده يتداولونه سراً حتى وصل إِلَى الإمام الثاني عشر، فأخذه ودخل به السرداب، ولن يرى النَّاس هذا العلم المكتوم إلا إذا خرج من السرداب، فحينئذ ينشر شيئاً من علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لم يعلمه أحد من الأمة، وهذه الإشاعات كانت لها بدايات موجودة في أيام أمير المؤمنين عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ولهذا صح عنه في الصحيح وغيره لما سُئل هل خصكم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم؟ وهذا دليل عَلَى أنه قد أشيع، وإلا فكيف يسئل عنه؟ قَالَ:(لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة: ما خصنا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم، إلا فهماً في كتاب الله يؤتيه من يشاء، وما في هذه الصحيفة، فلما أخرجها وإذا فيها الديات وفكاك الأسير، ولعن الله من آوى محدثاً وأن المدينة حرم) عَلَى اختلاف الروايات. وهذا الحديث وما فيه من الأحكام، كانت مكتوبة واحتفظ بها علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ولم تكن خاصة لأنها قد رويت عن غير عَلِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وهي معلومة عند الأمة من طرق ومن أحاديث أخرى، فليس فيها اختصاص إلا أنها كانت مكتوبة، وكان أمير المؤمنين يضعها في قراب السيف ليحتفظ بها. والقضية الثالثة التي من قال بها فقد أعظم عَلَى الله الفرية تقولأم المؤمنين (ومن زعم أنه -أي: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم عَلَى الله الفرية) ، وفي رواية أيضاً صحيحة:(ومن زعم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب فقد أعظم عَلَى الله الفرية) ، وهذا افتراء عظيم عَلَى الله، فقد كانت هناك أيضاً بوادر غلو في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت الجارية تنشد (وفينا رَسُول الله يعلم ما في غد) فنهاها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقول ذلك، وقد ظهر وانتشر في الأعصار المتأخرة حتى وجد من يقول: أنه