ولا نعرضه على عقل ولا على رأي، ولا نقول هذا يخالف العقول، أو يخالف البراهين أو القواطع العقلية، ولا نقول: لا نؤمن به حتى تثبت سلامته من المعارضة العقلية أو نحو ذلك، ولا نقول أيضاً كما يقول الطرف الآخر، فالطرف الأول هم الذين يعارضون بالعقل وهم المتكلمون، والطرف الآخر هم الصوفية وأمثالهم الذين يقولون: ثبت بطريق الكشف، أو ثبت بطريق الذوق أن هذا لا ينبغي، أو أن هذا لا يجوز، وأن ذلك لا يصح أو ما أشبه ذلك، كما تقول الصوفية مثلاً في الحكم لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما في الجنة، ويردون الأحاديث الصحيحة في ذلك، ويقولون: هذا لا يليق وقد ثبت عن أرباب المعرفة وأرباب الكشف والذوق أنهم في الجنة، هذا كلام لا يقبل عند أهل السنة والجماعة لأن العبرة عندهم هي: أن يصح الدليل هذا هو الشرط في أي حكم وفي أي أمر من الأمور، ولهذا أهل السنة والجماعة لا يفصِّلون في الأبواب، ولا يفّرقون فيجعلون أبواباً عقلية، وأبواباً سمعية، فكل ذلك عندهم شيء واحد، كله إذا ثبت به الدليل وصح به النقل آمنوا به وسلمت له عقولهم، وأيقنوا به في قلوبهم دون أي معارضة ولا أي تردد.
هذا بإيجاز مذهب أهل السنة والجماعة وأما غيرهم فإنهم في مثل هذا الباب -في باب السمعيات- إما أن يردوا ذلك مطلقاً، ويقولون: إن العقل يعارضها، كما نقل عن المعتزلة ومن اتبعهم من الروافض: أنهم ينكرون عذاب القبر أو ينكرون الميزان أو ينكرون الصراط، وسيأتي تفصيل الكلام في الصراط والميزان إن شاء الله.
ومنهم أيضاً من أنكر الإسراء والمعراج الذي هو موضوعنا وأخذوا يقولون: لا يعقل ذلك، وقال بعض المعتزلة نؤمن بالإسراء ولا نؤمن بالمعراج، أي يقولون: الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ثم العودة هذا ممكن أن يقع عقلاً؛ لكن الصعود والعروج إلى السموات السبع، هذا يحيله العقل فلا يؤمنون به.
إنكار الفلاسفة والزنادقة وبعض الفرق الضالة للمغيبات