القول الأول الذي عليه جماهير الْمُسْلِمِينَ قديماً وحديثاً: أن الإسراء والمعراج كَانَ بروح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجسده معاً، كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً [الإسراء:١] فهو أسرى بعبده، يعني: بذات عبده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس فقط بالروح والأدلة عَلَى ذلك متظافرة ولو أنا قرأنا الأحاديث في ذلك وتأملنا معانيها لوجدنا أن هذا القول هو الصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه إِلَى غيره، ونذكر بعض الأدلة عَلَى ذلك.
الدليل الأول: أن هذا هو الأصل في الكلام عند الإطلاق، وقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الاسراء:١] ، الأصل إذا قرأنا هذه الآية أو سمعناها أن نفهم أنه أسرى بعبده، أي: بروحه وجسده، فلا يصح أن نقول: بروح عبده هذا خلاف الأصل، وإذا جئنا بشيء في الكلام عَلَى خلاف الأصل، فإننا نحتاج إِلَى دليل، وليس هناك دليل يدل عَلَى ذلك، بل الأصل عند الإطلاق الخالي من كل قيد: أن ذلك عَلَى الحقيقة أي: عَلَى ذات الإِنسَان روحه وجسده معاً.
الدليل الثاني: وهو دليل واضح في هذا: أن قريشاً أنكرت واستغربت وشهَّرت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفتن بذلك بعض من كَانَ قد آمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الاستنكار لا يكون عَلَى رؤيا حلم في المنام، فلو أن أحداً قال مثلاً: لقد رأيت أن القيامة قد قامت، فرأيت الجنة والنار، فهل يستنكر هذا أحد؟ كلا؛ لكن لو أنه ادعي أنه رأى الجنة والنَّار يقظة لاستنكر عليه، ولما وافقه أحد، فقريش لما أنكرت عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تنكر عليه رؤيا منام، وإنما أنكرت عليه؛ لأنه أخبرها أنه ذهب حقيقةً إِلَى بيت المقدس، ثُمَّ من هناك عرج به إِلَى السماء.