ثُمَّ يقول الكاتب: والرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصل إِلَى هذا المنتهى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [النجم:١٤] فكأن المسألة فيها تأويل لقضية المعراج من أصلها فالمعراج رقي روحي، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترقى في الوصول إِلَى الله بالفيوضات، وبالمعرفة اللدنية حتى وصل إِلَى المنتهى.
ثُمَّ يقول: وأُمر أن يقول: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:١١٤] والذي يدل عَلَى أن المسألة تأويل قوله: "وزيادة العلم في عرف أولياء الله إنما هو زيادة السعادة" أين العلم من السعادة؟ يعني: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي: ربي زدني سعادة من فيوضاتك وتجلياتك ومعرفتي اللدنية بك والأمر ليس كذلك، فقوله تَعَالَى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ::وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) .
وليس الأمر مجرد السعادة أو النشوة الروحية التي تحصل للإنسان، إنما هو العلم الذي هو علم بالله وبأحكامه من الحلال والحرام، فلا شك أن معرفة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هي رأس العلم، كما أن الفقه في ذلك هو الفقه الأكبر، المتلقى عن طريق الوحي والأدلة، والإيمان به إيماناً صحيحاً كما أخبر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وليس مجرد تأملات ولا نشوات، يُقَالَ: إنها فيوضات وتجليات ترد عَلَى القلب، ولذلك يدعي كل قطب أو ولي أنه تجلى له مالم يتجلى للآخر، وكلامهم في هذا يختلف، فكل منهم يدعي أن ربه تجلى له وقال له شيئاً لم يقله لغيره، وهذا الاختلاف يدل عَلَى أنها تصورات ذاتية خيالية، بحسب ما يفكر الواحد منهم وما يهتم به، تأتيه هذه الأمور، أما العلم بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- العلم الحقيقي، فإنه يأتي في القُرْآن وفي السنة، ويفهمه الصحابة والسلف الصالح فهماً صحيحاً فلا يختلف أبداً.