يقول الفلاسفة: كمال النفس في أن تعلم، وأن تكون عَلَى مقتضى الحكمة، أي: أن يكون لديها علم، وأن تكون أخلاقها وتصرفاتها عَلَى مقتضى الحكمة العقلية التي يرونها، قالوا: فليس هناك من ضرورة، ولا داعٍ يوجبُ أن يكونَ الإِنسَانُ عبداً لله، وأن يندرج تحت العبودية الشرعية إذ لو أن إنساناً بمقتضى حكمته العقلية يتحلى بالأخلاق الفاضلة، والمعاملات الجميلة التي يتكلم عنها الحكماء في كتبهم وتزين بها، وطبقها لاستغنى عن أن يكون عبداً ولما احتاج أن يدخل تحت هذه العبودية.
وبالغ بعضهم في ذلك فقَالَ: إن النَّاس أكثرهم جهال وعوام، والحكمة العقلية لا يفهمها كل أحد ولا يمكن أن يكون النَّاس عَلَى مستوى يفهمون فيه كلام الحكماء والفلاسفة.
فجاء الأَنْبِيَاء بالوعد والوعيد، والأمر والنهي، والجنة والنار؛ لأنها هي التي تشوق الجماهير وتجذبهم وتجعلهم يعملون الخير، بخلاف ما لو كَانَ كلاماً عقلياً فإنه لا يؤثر، فلذلك فإن هذه الشرائع التي جَاءَ بها الأَنْبِيَاء تصلح للجمهور؛ لكن الإِنسَان الفاهم -الذي يفهم بعقله كل شيء- لا يحتاج إِلَى أن يندرج تحت شرائع الأنبياء، هذا إفكهم وما كانوا يفترون، وهذا كلامهم الذي قالوه من قبل بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قاله فلاسفة اليونان، ثُمَّ جَاءَ من يسمون فلاسفة الإسلام، فادعوا ذلك وزعموه ومنهم: ابن سينا والفارابي ومنهم إِلَى حد ماابن رشد.
ولذلك قال بعضهم: إن الشريعة -التي هي الدين- والحكمة -التي هي الفلسفة- شيء واحد وتدعونا إِلَى شيء واحد وطريق واحد، وأنهم اختبروا جميع الشرائع، ووجدوا أن أفضلها: هي شريعة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك يرتاحون لها ويقولون: لو أخذ بها الإِنسَان لكان حسناً.