فلذلك يخيل لهم الشيطان هذه الأمور، ويزينها لهم بسوء أعمالهم وبتركهم للعبادات، فينقطعون عن العبادات وعن الفرائض، وعن الجمع والجماعات، ويقولون: نَحْنُ بلغنا الحقيقة فرأيناها، ووصلنا إِلَى اليقين الذي قال الله تَعَالَى فيه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:٩٩] .
فقالوا: إن العبادة لها أمد فإذا جَاءَ اليقين انتهت، وهذا من أكذب أنواع الافتراء عَلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لأن الذي أمر بهذه الآية هو: نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد طبقها وقد عمل بها وظل عَلَى العبادة من صلاة وذكر وغير ذلك، ولم يخرج عن العبودية إِلَى أن جاءه اليقين الذي هو الموت، كما جَاءَ في الحديث الصحيح الآخر:(أما فلان فقد جاءه اليقين من ربه) أي جاءه الموت؛ لأن اليقين: هو الموت، فمعنى الآية: واعبد ربك حتى يأتيك الموت، وحتى يقبضك ربك إليه، فهَؤُلاءِ الملاحدة يقولون: إن حقيقة العبودية -عندهم- هي: شهود الحقيقة الكونية، ولذلك لا يرون أن الصلوات الخمس والعبادات التي نفعلها نَحْنُ الآن؛ إلا مجرد مظاهر أو وسائل عَلَى الطريق التي عندهموهم يقسمون الطريق إِلَى ثلاث مراحل:
المتعلم وهو الذي يسمى مريداً وهو: المبتدئ.
ثُمَّ السالك: وهو الذي مشى في الطريق مراحل.
ثُمَّ الواصل: وهو الذي سقطت عنه التكاليف، ولم يعد بحاجة إِلَى أن يعمل أعمال المريدين، أو السالكين الذين هم بحاجة للعبادة ليريحوا أنفسهم.