للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عندما عاين ملائكة العذاب؟ أراد الله أن يدينه بلسانه ليسمع المريدين الذين حوله. فقَالَ: كَانَ يظن أنه يترقى حتى حلت فيه الألوهية، وإذا به في الأخير يكتشف أنه عبد مخلوق ذليل حقير، وأن ملائكة العذاب قد دنت لتنتزع منه هذه الروح، فهذا المسكين متى صار إله ومتى حل في الله ومتى اتحد في الله؟! كله كلام فارغ لا قيمة له، عند الموت تتجلى الحقائق تماماً، ولذلك لا يَثْبُتَ إلا من ثبته الله -عَزَّ وَجَلَّ- من كَانَ في الدنيا ثابتاً عَلَى الإيمان والتقوى والاستقامة، ثبته الله -عَزَّ وَجَلَّ- عند الموت كما أخبر تَعَالَى بقوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:٢٧] .

ولكن أُولَئِكَ الزائغون المنحرفون الضالون، مهما تصنعوا في الدنيا ومهما جاءوا بالتأويلات والشبهات والعلل وادعوا أنهم أهل الحق، فعند الموت تتطاير وتتبخر وتتلاشى ولا يبقى إلا الحق واليقين فابن الفارض رأى ملائكة العذاب ورأى أن الأجل قد قرب منه فأظهر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذلك عَلَى لسانه، وقال هذين البيتين: الأمنية التي عاش عمره كله يحلم بها أصبحت أضغاث أحلام، ليس فيها أي حقيقة عَلَى الإطلاق.

وأما ابن سبعين فإنه يُحكي عنه مريدوه: أنه لما جاءه الموت وأراد أن يفيض اضطرب وخاف أو جزع، فَقَالَ له أحد مريديه: مالك يا شيخ؟ ما الذي تخاف منه؟ وأنت الذي كَانَ المريد يدخل عندك فيجلس ثلاثة أيام فيخرج وهو ولي من الأولياء في الطريقة، فما الذي يخيفك؟ فَقَالَ له: كل ذلك الآن لا حقيقة له.

<<  <   >  >>