فنقول: قد عملنا بالاضطرار -أي: ما يعلم بالتفكير بدون أدلة- لو أن رجلاً قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا القُرْآن الذي جئت به، وهذه الحكمة "السنة" التي جئت بها، قد علمنا بعقولنا أن فيها ما يخالف ما استقر في عقولنا، وفيها ما يعارضه، ولو أننا قدمنا كلامك الذي تقوله عن الله أو من عندك عَلَى عقولنا، لكان هذا قدحاً في العقل وقدحاً فيما تأتي به، فالأولى لنا أيها الرَّسُول أن نقدم ما تقرر في عقولنا عَلَى ما جئتنا به من عند الله، فكان هذا هو تقديم العقل عَلَى النقل، فلو قال هذا أحد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لأي رَسُول من الرسل لَمَا كَانَ مؤمناً أبداً.
وكذا لو قال أحد من الناس: أنا آمنت بك أيها النبي، وصدقت أن كلامك صحيح، لكن لا أقر لك بذلك كاملاً حتى أعرضه عَلَى إمامي، أو عَلَى فلان من الناس، أو أفكر فيه وأعرضه عَلَى عقلي فليس هذا بمؤمن.
ولهذا قلنا: إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رَسُول الله والكلام نوعين: خبر وإنشاء، فلو قال الإِنسَان: أشهد أن لا إله إلا الله، فالصحيح: أن هذا إنشاء، وبهذا نعرف الفرق بين الإيمان وبين الشهادة في حقيقتها، وبين الدعاوى الباطلة، فالشهادة إنشاء، أي: أقر بذلك وألتزم بكل لوازمها، وبكل ما يترتب عليها.