فلما ظهر الجيل الثاني والثالث: بدأ نوع من الضعف والنقص، فوجد من إذا سمع آية يغمى عليه أو قد يموت، وهو معذور عَلَى أية حال، وهذا من حسن الخاتمة - إن شاء الله- كما وقع لزرارة بن أوفى -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- فإنه لما سمع قول الله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:٨] سقط وهو في الصلاة ومات فهذا من قوة الإيمان ومن حسن الخاتمة له -إن شاء الله-، لكن جَاءَ أناس فجعلوا مقياس التأثر من سماع القُرْآن هو أن يقع الإِنسَان وأن يغمى عليه، حتى أنهم أخذوا يفضلون بعض أئمة التصوف الذين كَانَ يغمى عليهم من الذكر، عَلَى أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العبادة، فيقولون: أُولَئِكَ اشتغلوا بالجهاد واشتغلوا بكذا ولم يتفرغوا للعبادة، لكن هَؤُلاءِ الشيوخ تفرغوا للعبادة فكانوا إذا سمعوا الآية أو الحديث أو ذكروا الموت أو الآخرة يغمى عَلَى أحدهم وقد يموت، فيتوهم العامة أن هَؤُلاءِ أفضل من أولئك؛ لأن العوام لا يوجد عندهم إدراك لحقائق الأمور، فتبدأ هذه الأمور تدريجياً عند النَّاس فيتغير معيار العبودية الصحيح، ويتحول إِلَى أمور لم تشرع وليست هي الأساس وإنما يقع الانحراف قليلاً قليلاً.