هذا هو غاية ما يُرِيدُ هَؤُلاءِِ النَّاس أن يقولوه أو يدعو إليه، أما نَحْنُ فنبطل هذه القضايا جميعاً لأن لدينا - ولله الحمد- المنهج والبرهان الواضح، فلا حاجة بنا إِلَى الخوض في مسألة وجود الله عَلَى طريقتهم، ولا حاجة بنا إِلَى ترجمة كلامهم، ولا حاجة للمسلمين إِلَى الاستعانة بكلام المثبتين منهم ضد النفاة، فنحن نرد عَلَى الجميع، ولكن هذا الذي حصل ووقع تاريخياً، أن المعتزلة التزموا القول بأن ينفوا صفات الله تبعاً لنفي حلول الحوادث في ذات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- متبعين للقول بأن إثبات الصفات يستلزم إثبات لذوات متعددة -تعدد القدماء أو تعدد ذوات مختلفة- وبناءً عَلَى ذلك أنكروا أن يكون القُرْآن كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَالُوا: إنه مخلوق، وسيأتي تفصيل كلامهم إن شاء الله تَعَالَى في قولهم: إن إضافته إِلَى الله إضافة تشريف، أو -مثلاً- استدلالهم بقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً [الزخرف:٣] أواللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء [الرعد:١٦] وأمثال ذلك من الشبهات التي سنعرض لها إن شاء الله بالتفصيل.
للطوائف أقوال مختلفة في كلام الله نفصلها فيما يأتي:
قول الصابئة والمتفلسفة
وهَؤُلاءِ يقولون: إن كلام الله تَعَالَى هو ما يفيض عَلَى النفوس من المعاني، إما من العقل الفعال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
فهَؤُلاءِ النَّاس يقولون: إنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يُوصفُ بأي صفة ثبوتية وجودية. إذاً فهو مجرد علة تامة نشأ عنها المعلول، ونشأت عنها المخلوقات، وليس أكثر من ذلك.
فكلام الله في نظرهم: هو الفيض الذي يفيضه العقل الكلي أو العقل الفعال.
ويقول بعضهم: إنه يفيض عَلَى النفس الكلية ثُمَّ النفس الكلية تفيضه عَلَى النفوس الجزئية.
ومنهم من يقول: العقل الكلي يفيضه عَلَى العقول الجزئية.