[وقد بلغ الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستبصرين، وسلك سبيله خير القرون، ثُمَّ خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم، وافترقوا، فأقام الله لهذه الأمة من يحفظ عليها أصول دينها، كما أخبر الصادق صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله:(لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين عَلَى الحق لا يضرهم من خذلهم) وممن قام بهذا الحق من علماء الْمُسْلِمِينَ: [الإمام أبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة الأزدي الطّّحاويّ، تغمده الله برحمته، بعد المائتين، فإن مولده سنة (تسع وثلاثين ومائتين) ووفاته سنة (إحدى وعشرين وثلاثمائة) ] .
فأخبر رَحِمَهُ اللهُ عما كَانَ عليه السلف، ونقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وصاحبيه: أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحميري الأنصاري، ومُحَمَّد ابن الحسن الشيباني رضي الله عنهم ما كانوا يعتقدونه من أصول الدين ويدينون به رَبّ الْعَالَمِينَ] اهـ.
الشرح:
يقول المصنف:[وقد بلغ الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البلاغ المبين وأوضح الحجة] وهذا لا يشك فيه أحد ولو شك فيه أحد لكان كافراً مرتداً، وهذه القضية بديهة ومعلومة عند جميع الْمُسْلِمِينَ.
لكن ما نجعله من لوازمها يخفى عَلَى كثير من الْمُسْلِمِينَ.
فإذا آمنا وأيقنا أن الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ الدين كاملاً ولم ينقص منه أي شيء، فيترتب عَلَى ذلك أنه إذا وضع أحد قواعد نفهم بها بعض الآيات، أو جَاءَ بإضافات وأعمال جديدة لم يشرعها النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هذه من حقيقة الدين، فمعنى ذلك أن هذا الإِنسَان يقول بلسان حاله -إن لم يقل بلسان مقاله- أن ما جَاءَ به النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقص، وأنه لم يبلغ البلاغ، ولم يؤدّ الأمانة التي وكلت إليه وحاشاه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، لكن هذه هي حقيقة قولهم.