وبالمقابل جاءتالمشبهة ونسوا حظاً مما ذكروا به، وتركوا الآيات التي جاءت في تنزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأثبتوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصفات كما يليق بالمخلوق -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- مشابهين في ذلك لليهودعندما قالوا: إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى -كما هو مذكور في التوراة- خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع والعياذ بالله!
فجعلوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتعب ويلغب، كما يلغب ابن آدم إذا عمل عملاً ما، ولذلك نفى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك فقَالَ: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:٣٨] أي: لم يمسنا التعب ولا النصب ولا اللغب، وردّ عليهم، فجاء هَؤُلاءِ المشبهة، وأخذوا من اليهودالتشبيه وزادوا عليهم فَقَالُوا: له يد كيدنا، فجعلوا صفات الله عَزَّ وَجَلَّ مثل صفات المخلوق.
فإذا قال لهم أُولَئِكَ المعطلة: أنتم شبهتم، قالوا: أنتم عطلتم، لذا قال السلف الصالح: المعطل عابد عدم، والمشبه عابد صنم، فالمعطل عابد عدم لأنه يقول: إن الله تَعَالَى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا يمينه ولا شماله، وليس له يد، وليس له عين، وليس له أي صفة من الصفات، ولا يسمع ولا يبصر.
إذاً: فهذا معدوم غير موجود، فالمعطل عابد عدم، ولكن المشبه عابد صنم لأن الذي يقول يد الخالق كيد المخلوق، ووجهه كوجه المخلوق، وقدمه كقدم المخلوق، فإنما هو يعبد صنماً، لأن الأصنام نحتت لكي تعبد من دون الله، لكي يقَالَ: هذا هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والشاهد أن سبب الخلاف بينهما هو أن هذا أخذ حظاً مما ذكر به ونسي حظاً، وهذا أخذ حظاً مما ذكر به ونسي الحظ الآخر، فأغرى الله بينهما العداوة والبغضاء.