والمقصود أن هذا الحديث صحيح، وأن دِلاَلته عَلَى أن القُرْآن يرفع ثابتة، فالقرآن بدأ من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وإليه يعود: فيرفع من هذه الأرض؛ لأن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنزله لحكمة، ليعمل به، وتقام حدوده، ولينتفع به، فإذا ذهبت حكمة الانتفاع فإنه يرتفع، فلم يبق في وجوده فائدة بين أيدي الناس، ومن تلك الحكمة التي قد نلمسها بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخرج دابة، كما قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:٨٢] ، فيتناسب خروج الدابة مع حال النَّاس في آخر الزمان، وكان الله كلما ضلت أمة من القديم بعث إليهم رسولاً، فلما كَانَ رسولنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الرسل لم يبق احتمال لإرسال رسول.
وعندما تنحدر الإِنسَانية انحداراً لا يرجى بعده صلاح تأتيهم دابة من جنس حالهم -فإنها تكون حين يقل الإيمان ويضعف الناس- وهنا تصدم حواس النَّاس وتفجعهم لأنها دابة، ومع ذلك تكلمهم وتخبرهم عن أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتبين الكافر والمنافق من المؤمن.
فالمقصود أن ذلك الزمان لفساده وفساد أهله وقلة الخير فيه يرفع القُرْآن منه، وتخاطب فيه النَّاس الدابةُ، فذلك دليل عَلَى أنهم لا ينتفعون بعد ذلك بخير.