الحقيقة أن هذه المسألة ليس فيها نص قاطع، وهي تحتمل هذا وذاك، وهي من أمور الغيب التي لا يجوز الخوض ولا القول فيها بالظن، ولا بمجرد الاستنباط الذي يبدو لصاحبه رجحانه، ولو دقق فيه لتبين خلافه، ولهذا لو قيل في هذه المسألة: إن الأرجح فيها هو التوقف، وأن يُرَّد علم ذلك إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيُقال في ذلك: الله أعلم، فنسبة العلم إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أسلم، فهذا الذي نميل إليه ونختاره، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
وما دام أنه لم يثبت في الحوض هل هو قبل الصراط أم بعده نص صريح ولا يترتب عليه كبير فائدة، فإن العبرة والموعظة قائمة سواء كَانَ ذلك قبله أو بعده، وسنكمل ما يتعلق بذلك عندما نتعرض لكلام العلامة القرطبي في الأخير، لأن المُصنِّفُ فصَل الكلام هنا، فذكر بعضه وأشار إليه في الأول، ثُمَّ أكمل في الآخر.
فقال رَحِمَهُ اللهُ:[والحوض في العرصات قبل الصراط؛ لأنه يُختلج عنه، ويُمنع منه أقوام قد ارتدَّوُا عَلَى أعقابهم، ومثل هَؤُلاءِ لا يجاوزون الصراط] هذا هو الرأي الذي اختاره المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى،
ثُمَّ قَالَ:[وروى البُخَارِيّ ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قَالَ: سمعت رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا فَرَطُكُم عَلَى الحوض) .