للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من سهولة الوصول إليه ونفوذ الكتب عنه إلى النواحي فيما يتظلم به إليه ما استحسنته، فأقبلت أرمقه ببصري إذا نظر في القصص، فإذا رفع طرفه إلي أطرقت، فكأنه علم ما في نفسي، قال لي: يا صالح، أحسب أن في نفسك شيئا تحب أن تذكره، قال: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فأمسك، فلما فرغ من جلوسه أمر ألا أبرح ونهض، فجلست جلوسا طويلا، فقمت إليه وهو على حصير الصلاة، فقال لي: يا صالح، أتحدثني بما في نفسك أم أحدثك به؟ فقلت: بل هو من أمير المؤمنين أحسن، فقال: كأني بك وقد استحسنت ما رأيت من مجلسنا، فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول بقول أبيه من القول بخلق القرآن! فقلت: نعم.

فقال: قد كنت على ذلك برهة من الدهر، حتى أقدم على الواثق شيخ من أهل الفقه والحديث من أذنه من الثغر الشامي مقيد طوال حسن الشيبة، فسلم غير هائب، ودعا فأوجز، فرأيت الحياء منه في حماليق عيني الواثق والرحمة عليه.

فقال: يا شيخ، أجب أبا عبد الله أحمد بن أبي دؤاد عما يسألك عنه.

فقال: يا أمير المؤمنين، أحمد يصغر ويضعف ويقل عند المناظرة.

فرأيت الواثق وقد صار مكان الرحمة عليه والرقة له غضبا، فقال: أبو عبد الله يصغر ويضعف ويقل عند مناظرتك؟ ! فقال: هون عليك يا أمير المؤمنين، أتأذن في كلامه؟ فقال له الواثق: قد أذنت لك.

فأقبل الشيخ على أحمد، فقال: يا أحمد، إلام دعوت الناس؟ فقال أحمد: إلى القول بخلق القرآن، قال له الشيخ: مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها من القول بخلق القرآن أداخلة في الدين فلا يكون الدين تاما إلا بالقول بها؟ قال: نعم، قال الشيخ: فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إليها أم تركهم؟ ؛ قال: تركهم، قال له: فعلمها أم لم يعلمها؟ قال: علمها، قال: فلم دعوت الناس إلى ما لم يدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم منه؟ فأمسك، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة.

ثم قال له: أخبرني يا أحمد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] فقلت أنت: إن الدين لا يكون تاما إلا

<<  <   >  >>