للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بعضهم: ليس الحكيم الذي يلقنك الحكمة تلقينا، وإنما الحكيم الذي يعمل العمل فتقتدي به.

قال عدي:

ونفسك فاحفظها من الغي والردى ... متى تغوها تُغوِ الذي بك يقتدي

فلا يمكن بحال أن يكون الواعظ مقبولا عند شخص يعظه وينهاه عن الغيبة أو النميمة، أو الكذب مثلا، وهو واقع فيها، منغمس في بحرها.

الدعوة بالعمل قبل القول: يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي بل يجب أن يكون عليها الداعية العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عن شيء ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين، نعوذ بالله من ذلك، أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق، يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢ - ٣] (١) .

هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح، يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضا، ولهذا قال بعده: {وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: ٣٣] فهو داعية إلى الله باللسان، وداعية بالعمل، ولا أحسن قولا من هذا الصنف من الناس هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة، وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم، وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال، والسيرة. . . وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال ولا سيما العامة، وأرباب العلوم القاصرة؛ فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأفعال الصالحة ما لا ينتفعون من


(١) الصف: ٢-٣.

<<  <   >  >>