للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من الكتاب والسنة كثيرة، وترجم عليه أهل العلم في الكتب " كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة " كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين.

وكان السلف - كمالك وغيره - يقولون: السُّنَّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.

وقال الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.

إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين لا بد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك لكان دين الرسول ناقصا محتاجا تتمة.

وينبغي أن يُعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب والأعمال الفاسدة نهى الله عنها. والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة فإن الشارع حكيم إن غلبت مصلحته على مفسدته شَرَعَه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه، بل نهى عنه، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦] (١) .

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩] (٢) .

ولهذا حرمهما الله تعالى بعد ذلك، وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقربا إلى الله ولم يشرعه الله ورسوله؛ فإنه لا بد أن يكون ضرره أعظم من نفعه وإلا فلو كان نفعه أعظم غالبا على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه صلى الله عليه وسلم


(١) البقرة: ٢١٦.
(٢) البقرة: ٢١٩.

<<  <   >  >>