للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثالثا: الدلالات والمعاني الإعلامية في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ١ - أسلوب فن التوقيت المناسب لإذاعة الحقيقة: إن الحالة النفسية المهيأة وظروف الزمان والمكان المواتية مناخ إعلامي مناسب لبث الحقائق والمعلومات والأفكار والإقناع بها (١) فلقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجيش وحدثت في الطريق أحداث كونية وإنسانية وخوارق ومعجزات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وخطب الرسول خطبا كثيرة، لكنه لم يسبق هذا الكم الكثير من الحقائق لتربية الجندي المسلم وإعداده إلا في هذا الوقت وهذا المكان عندما بلغ الجيش هدف سيره وعسكر في تبوك، والثابت في الدراسات الإعلامية أن القائم بالاتصال المتميز ورجل الإعلام الإسلامي النابه الذي يسعى لإقناع الناس، هو الذي يجمع الحقائق، ويختزل المعلومات، ويرصد الوقائع، ثم يدرس اللحظة، وينظمها في سياق التأثير والإقناع، ويعطي المعلومات في الوقت المناسب لا يتقدم ولا يتأخر، وهذا هو إحكام الاتصال، والإحكام من أسمى معاني الحكمة التي هي كما يرى الإمام ابن القيم رحمه الله: (فعل ما ينبغي , على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي) ، ثم يقول أيضا: (وهي أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه عن حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه) , ثم يعلل ذلك بأن الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها شرعا وقدرا، ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر، ولذا كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث في الاتصال بالناس، وهذا ما فعله


(١) انظر الشيخ زين العابدين الركابي: النظرية الإسلامية للإعلام والعلاقات الإنسانية، مرجع سابق، ص: ٣٢٢.
- وانظر د. محمد فريد: دراسات في التحرير الصحفي في ضوء الإسلام، مرجع سابق، ص: ٨٣.

<<  <   >  >>