للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم أتى بطريق عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس - رضي الله عنه - آخر الباب.

ولعل تأخيره لحديث عبيد الله بسبب الاختلاف الكبير الذي وقع في ألفاظه.

وهكذا يتبين دقة الإمامين وبراعتهما في الصناعة الحديثية رحمهما الله تعالى.

وباختصار أقول: إن الألفاظ المعتمدة في مناقشة هذا الحديث يجب ان تكون محصورة في الحديثين الذين أخرجهما البخاري في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق سعيد بن جبير وطريق عبيد الله عن ابن عباس - رضي الله عنه - بالألفاظ التي أخرجها البخاري في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أما التشبث بالطرق الأخرى في الأبواب الأخرى فليس من الإنصاف الاتكاء عليها للأسباب آنفة الذكر. وإن كنا سنناقش بعض الألفاظ في تلك الطرق من باب دفع الشبه، والله أعلم.

المطلب الثالث

المعنى العام للحديث.

نجد من الأولى قبل البحث في تفريعات الشبه التي أثارها بعض المبتدعة حول هذه الرواية، أن نتطرق اجمالاً إلى المعنى العام للحديث باختصار، فنقول:

لما اشتد الوجع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفى فيه - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الخميس أي قبل أربعة أيام من وفاته - صلى الله عليه وسلم - وبينما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ملأوا بيته - صلى الله عليه وسلم - خوفاً عليه ووجلاً، طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن حوله من الناس بصوت ضعيف فيه (بحة) إذ أرهقه المرض، وهذا عارض طبيعي يصيب الأنبياء بوصفهم بشراً، حيث مرض - صلى الله عليه وسلم - وأصيب، وأدميت قدماه، وكسرت رباعيته الشريفة، وغيرها من الأعراض الأخرى فطلب منهم - صلى الله عليه وسلم - أن يأتوه بدواة وصحيفة ليكتب لهم كتاباً لن يضل الناس بعده، فلم يفهم الناس مراده، فأعادوا عليه وكرروه، فاختلفوا فبعضهم فهم المراد وقال: آتوه بالكتاب، وبعضهم استنكره؛ لأنه لم يفهم منه ذلك، لا أنه فهمه وخالف لأن ذلك يعني مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة يستحيل عليهم مخالفته جميعاً، لا سيما أنّ فيهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ... الخ.

فتنازع الناس واختلفوا، وهم يلحون عليه بذالك، فضج الجالسون، فقال بعض الناس ممن ليس له طول صحبة: أهجر رسول الله؟ استفهاماً، ثم قالوا: استفهموه أي اختبروه او امتحنوه أو كرروا القول عليه لنعلم أحقا يريد أم إنها آثار سكرات الموت؟ والرسول - صلى الله عليه وسلم - أتعبه المرض واشتد عليه الوجع، فأراد عمر - رضي الله عنه - حسم الخلاف وفك التنازع فوق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر - رضي الله عنه -: (غلبه الوجع حسبنا كتاب الله) والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعاني أوجاع المرض بأبي هو وأمي والناس أجمعين فقال:"دعوني فالذي أنا فيه خير".

<<  <   >  >>