لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُب لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُومُوا".
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
أخرجه البخاري في (٤٤٣٢) باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، وفي (١١٤) باب كتابة العلم، وفي (٥٦٦٩) و (٧٣٦٦) باب قول المريض قوموا عني.
وأخرجه مسلم ٣/ ١٢٥٧ (١٦٣٧) من طرق عن الزهري به (١).
المطلب الثاني
براعة الأمامين في الصنعة الحديثية.
يتميز الإمامان البخاري ومسلم بالصناعة الحديثية العالية، وهي جلّية واضحة في مصنفاتهم ولاسيما في صحيحيهما، ومن يطالعهما بتأنٍ يلمس ذلك بوضوح، فالإمام البخاري رحمه الله صنف كتابه بطريقة رائعة، ولا أبالغ إذا قلت إنها سحر! ولم يسبق إليها البتة، فهو يقطع الحديث الواحد قطعاً، ويورد كل قطعة بما يناسب بابها وقد يسوق هذا الحديث بسنده المتصل في موضع ويأتي به معلقاً في باب آخر، ثم يورد الحديث تاماَ في بابه المناسب، وتجده يكرر الحديث في عدة مواضع مرة تاماً وأخرى ببعض ألفاظه حسب ما يحتاج إليه.
وليس عجيباً أن يحفظ حديث ما بأسانيده المختلفة ولكنّ العجيب استحضاره لهذه الألفاظ المختلفة في أبوابها المختلفة، فتراه يأتي - مثلاً- بحديث يرويه الإمام الزهري (١٢٥هـ) ويرويه عنه (مالك وسفيان ومعمر والأوزاعي ويونس وعقيل وأبو إسحاق السبيعي) فتلامذة الزهري ليسوا على طبقة واحدة، فبعضهم أتقن من بعض لذا يقدم النقاد بعضهم على بعض حسب الإتقان فمالك بن أنس وابن عيينة يقدمان على معمر، ومعمر يقدم على الأوزاعي، واتفق أهل العلم بالاستقراء التام على أنّ البخاري ينتقي أعلى هذه المراتب، وكذا مسلم رحمهما الله تعالى.
(١) وأخرجه أحمد ١/ ٣٢٤ وفي ١/ ٣٣٦،و"النَّسائي في الكبرى (٥٨٢٢ و٧٤٧٤).