وقد يقع مثل هذا الاختلاف في الطبقات العليا أي على الصحابي فيرويه عنه ثلاثة أو خمسة من التابعين يختلفون فيه، وقد يكون هذا الاختلاف في طبقة شيوخه كأن يقع اختلاف بين شيوخه (عبد الله بن يوسف التنيسي، وإسحاق الفروي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن بكير، ويحيى بن قزعة، وأبي نعيم، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي) وغيرهم. فهؤلاء جميعاً -شيوخ البخاري- يروون عن مالك وقد يجد البخاري حديثاً يرويه خمسة منهم أو أكثر أو أقل، وهذا الحديث يروونه بأسانيد وألفاظ متفقة أو مختلفة، وقريبة أو بعيدة فيأتي الإمام البخاري فيورد طريق كل واحد منهم في بابه المناسب، وإنما تميز ما تميز به البخاري لكونه واسع الحفظ شديد الإتقان كثير الرحلة والشيوخ، جامعاً بين حفظ الحديث ونقده والفقه وقواعده، ثم مصنفاً كتابه على طريقة حديثية فقهية، مقتصراً على ما صح من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبرع وأجاد، فلله دره.
وأما الإمام مسلم فإنه رتب أحاديثه على ثلاث طبقات فأورد أولاً أصح الطرق ثم تبعها بالصحيح دون الصحيح ثم بالشواهد الأقل فالأقل كما نص على ذلك في مقدمته الرائعة، ويفترق عن شيخه البخاري أنه صنفه على طريقة الصناعة الحديثية العالية، فجمع بين حفظ الأحاديث ونقدها وترتيبها على أبواب الفقه الرئيسة معتمداً على أصح الروايات عنده.
والذي أريده ههنا: أنّ الحديث إذا وجدته في صحيح البخاري وأردت معرفة أصح الروايات - عنده- ابحث عنها في بابها أولاً فإنه يوردها على الوجه الذي رجح عنده هناك، وأما إذا وجدت الحديث في غير بابه فأعلم أن الإمام البخاري قد يكون خرجها هناك مختصرة مقتصرة على الشاهد في الباب، ولا يجوز لك أن تحتج عليه بها في غير بابها، على أن كل هذه الروايات صحيحة ثابتة، هذه نكتة قل من يتنبه إليها من المعاصرين.
والحال نفسه عند الإمام مسلم: فلا يصح أن تأتي بلفظ زائدة مخالفة في آخر حديث في الباب لتحتج به على حديث الباب، وهكذا.
وكذا الحال ههنا في حديث الرزية هذا، فالحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما، ولكن يجب التنبه إلى ما فيه من الصنعة الحديثية:
فحديث ابن عباس - رضي الله عنه - رواه عنه اثنان:
١ - سعيد بن جبير الإمام الفقيه الحجة ت (٩٠هـ).
٢ - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الإمام الفقيه الحجة، توفي على الأرجح (٩٥هـ).