للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتأمل قول الهزيل بن شرحبيل لما بين بطلان مثلها فقال:"أبو بكر - رضي الله عنه - كان يَتَأَمَّرُ على وصيِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ودَّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهداً فَخُزِمَ أَنْفُهُ بِخِزَامٍ " (١).

وهنا استفهام انكاري: أي هل كان أبو بكر يتأمر على عليّ لو كان وصياً كما يُزعم؟ ولو وجد مثل ذلك لانساق له انسياقاً!

المطلب الثاني

قولهم: أهجر

أثار المبتدعة شبهة حول صدور هذه العبارة من الصحابة واتهموهم بالإساءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعموا أن قائل تلك العبارة هو عمر - رضي الله عنه -،ولبيان الرد على شبههم نقول:

أولاً: معنى الهجر لغة:

الهُجْر بالضم. وهَجَر يَهْجُر هَجْراً، ضبط في الأصل: هَجَراً بفتحتين، وليس في المعاجم بالفتح: إذا خَلَط في كلامه وإذا هَذَى (٢)

فالهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهوم وهو على قسمين:-

قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام، وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، وقد ثبت بإجماع أهل العلم أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - فجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"كنت أسمع أنّه لا يموت نبيّ حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم} الآية فظننت أنه خير" (٣).

والقسم الآخر: هو جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب العوارض من أمراض أو آفات (الهذيان) وهذا يمتنع بحق الأنبياء، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شىء تسمعه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (٤).


(١) أخرجه الحميدي (٧٢٢) وأحمد ٤/ ٣٨١ وابن ماجه (٢٦٩٦).
(٢) النهاية في غريب الحديث ٥/ ٥٥٧.وينظر القاموس المحيط ٢/ ٣٠.
(٣) أخرجه البخاري (٤٠٨١)،ومسلم ٧/ ١٣٧ (٢٤٤٤).
(٤) أخرجه أحمد ٢/ ١٦٢،وأبو داود (٣٦٤٦)،وغيرهما.

<<  <   >  >>