قال الحافظ ابن حجر:" أخرج ابن حبان الحديث من طريق ابن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الإشكال فقال: "سئل ابن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما ترك شيئا يوصي فيه. قيل: فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله"، وقال القرطبي: استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق، فلو أراد شيئا بعينه لخصه به، فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد، قال: وهذا يشعر بأن ابن أبي أوفى وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان أن الوصية واجبة، كذا قال، وقول ابن أبي أوفى "أوصى بكتاب الله" أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه، ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله"، وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم: "أوصى عند موته بثلاث: لا يبقين بجزيرة العرب دينان" وفي لفظ: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" وقوله: "أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به" ولم يذكر الراوي الثالثة، وكذا ما ثبت في النسائي أنه - صلى الله عليه وسلم - "كان آخر ما تكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم" وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع، فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه، ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم، ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية، أو يكون لم يحضر شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله، والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة أو بالمال، وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينة الحال وأما في الثاني فلأنه المتبادر عرفا، وقد صح عن ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوص" أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل عنه، مع أن ابن عباس هو الذي روى حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أوصى بثلاث، والجمع بينهما على ما تقدم "(١).
المطلب السابع
قول ابن عباس - رضي الله عنه - (الرزية كل الرزية).
وقال ابن حجر:" قوله يوم الخميس هو خبر لمبتدأ محذوف أو عكسه، وقوله: وما يوم الخميس يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه زاد في أواخر الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصي. ولمسلم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه كأنها نظام اللؤلؤ وبكاء بن عباس يحتمل لكونه تذكر وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتجدد له الحزن عليه ويحتمل أن يكون أنضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية وقد تقدم في كتاب العلم الجواب عمن أمتنع من ذلك