للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد أثار أصحاب البدع شبهات كثيرة حول هذا الحديث، متعكزين في ذلك على بعض الألفاظ المتشابهة في بعض طرق الحديث وسنحاول في هذا البحث عرض تلك الشبه والرد عليها إن شاء الله تعالى.

المبحث الثاني

شبهات حول الحديث

المطلب الأول: مضمون الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابته.

أما عن مضمون الكتاب الذي عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتابته للمسلمين فقد اختلف فيه على أقوال:

قال الإمام النووي:" اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - به فقيل أراد أن ينصّ على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد كتاباً يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول وأما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر:"حسبنا كتاب الله لقوله تعالى:"ما فرطنا في الكتاب من شيء وقوله:" اليوم أكملت لكم دينكم "،فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه" (١).

وقال البيهقي:" وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك، كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه، ثم بدا له أن لا يكتب وقال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها ... " (٢).

وقال ابن حجر:" وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتماً لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك" (٣).

وقد اختلف أهل العلم في مضمونه على أقوال:


(١) شرح النووي ١١/ ٧٦،وينظر إكمال المعلم ٥/ ٣٧٩،وعمدة القاري٣/ ٣٢٨،وفتح الباري ١/ ٢٠٩.
(٢) دلائل النبوة ٧/ ١٤٤.
(٣) فتح الباري ٨/ ١٣٤.

<<  <   >  >>