للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وامتحنوه، فلعلها مما يصيب المحتضر، وقائل يقول: ائتوه بالكتاب وقائل يقول: لا غير ذلك، ويذهبون ويعودون إليه - صلى الله عليه وسلم - فحينها قال القائل: أهجر؟ استفهاماً واستنكاراً لا إقراراً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد غلبه الوجع:"قوموا عني فالذي أنا فيه خير .. ".

وقال شيخ الإسلام:" فحصل لهم شك هل قوله: أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده هو مما أوجبه المرض أو هو الحق الذي يجب اتباعه وإذا حصل الشك لهم لم يحصل به المقصود فأمسك عنه، وكان لرأفته بالأمة يحب أن يرفع الخلاف بينها ويدعو الله بذلك ولكن قدر الله قد مضى بأنه لا بد من الخلاف كما في الصحيح عنه أنه قال:"سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن لا يهلهكم بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ... " (١).

إذن فهذه الشبه باطلة جملة وتفصيلاً لا تثبت بحق عمر - رضي الله عنه - ولا حتى في حق الصحابة الكرام، وإنما جل المسألة: أن بعض الصحابة ممن قرب دخوله الإسلام قال: (أهجر)؟ استفهاماً أو طلباً لاستفهامه كما يفعل مع المحتضر ليرى هل خلّط أو لا؟ -حاشاه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى هؤلاء الجدد على الاسلام من حال لم يعرفوها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،أما عمر والصحابة الآخرون فهم أشد تعظيماً وتوقيراً له - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أعرف الناس بنبيهم وسيدهم - صلى الله عليه وسلم -.

ثم لا أجد تفسيراً لهذه الحرقة المصطنعة على لفظة (غلبه الوجع، أهجر) وهما حمّالتا أوجه، ثم تأمل في هذا النص الذي نقله القوم في كتبهم وتلقوه بالقبول والتصديق وفيه تصريح واضح منهم أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر؟ -حاشاه-بأبي هو وأمي ونفسي والناس أجمعين.

فروى الصدوق في أماليه بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:"ثم أغمي على رسول لله صلى الله عليه وآله فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس، وخفف الصلاة. ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلى الله عليه وآله يده على عاتق علي عليه السلام، والأخرى على أسامة ثم قال: انطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما" (٢).


(١) منهاج السنة ٨/ ٥٧٢.
(٢) الأمالي للصدوق ص٧٣٢ - ٧٣٥ وانظر بحار الأنوار للمجلسي٢٢/ ٥١٠ والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص٧٤. ولو قالوا –مثلاً- هذه الرواية غير ثابتة أو ضعيفة لكان خيراً لهم والعجيب أنهم يصححونها ويتلقونها بالتصديق والاحتجاج حتى اختارت لجنة حديثية علمية متخصصة في معهد باقر العلوم انتخاب هذه الرواية من ضمن كلمات الحسين وضمن كتاب أسموه: كلمات الإمام الحسين ص٩٨ دار المعروف بطهران.

<<  <   >  >>