للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم صح عن علي - رضي الله عنه - أنه رفض محو كلمة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية أن يفعل ذلك؟ فهل تعد مخالفة؟ الجواب قطعاً: لا؟ وهذه كتلك، فتأمل.

وحتى على قول من قال إنّ خطاب عمر - رضي الله عنه - لما قال (حسبنا كتاب الله) أراد التوقف عن الإتيان بالكتاب فلم يفهم من قول عمر - رضي الله عنه - أنه قصد الاستغناء عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -،ومن زعم ذلك من المبتدعة فهو زعم لا دليل عليه، لأن عمر - رضي الله عنه - لم يرد بقوله هذا الاستغناء عن بيان السنة المطهرة، بل قال ما قاله لما قام عنده من القرينة بالاجتهاد السائغ على أنّ كتابة هذا الكتاب مما سبق تأصيله في كتاب الله عز وجل.

وقال الخطابي: "لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق فكان ذلك سبب توقف عمر - رضي الله عنه -، لا أنه تعمد مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا جواز الغلط عليه حاشا وكلا " (١).

وقال النووي:" أما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر - رضي الله عنه - وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} فعلم أنّ الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلالة على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه" (٢).

وقال ابن بطال:" فعمر أفقه من ابن عباس حين اكتفى بالقرآن الذى أكمل الله فيه الدين، ولم يكتف بذلك ابن عباس " (٣).

وتُعقب ابن بطال:" بأن إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد فإن قول عمر - رضي الله عنه -:حسبنا كتاب الله. لم يرد أنه يكتفى به عن بيان السنة بل لما قام عنده من القرينة وخشي من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما تقدمت الإشارة إليه فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء مما خشيه. وأما ابن عباس فلا يقال في حقه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره وتأويله؛ ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله أعلم" (٤).


(١) شرح النووي ١١/ ٧٧،وفتح الباري ٨/ ١٣٤.
(٢) شرح مسلم ١١/ ٧٧.
(٣) شرح البخاري١/ ١٨٩.
(٤) فتح الباري٨/ ١٣٢.

<<  <   >  >>