للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحمد، وكتابه ـ أي القرآن الكريم ـ مفتَتَح بالحمد، هكذا عند الله في اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحًا بالحمد.

وبيده - صلى الله عليه وآله وسلم - لواء الحمد (١) يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه - عز وجل - للشفاعة، ويُؤْذَنُ له فيها، يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه


(١) ((١) عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ». (صحيح رواه الترمذي)
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم -: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) قَالَهُ إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ الْفَضْلِ وَالسُّؤْدُدِ، وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ الله تَعَالَى عِنْدَهُ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لِأُمَّتِهِ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِهِ عَلَى حَسْبِهِ وَمُوجِبِهِ، وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ:
(وَلَا فَخْرَ) أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةً مِنْ اللهِ لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا بَلَغْتُهَا بِقُوَّتِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ بِهَا، قَالَهُ الْجَزَرِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَهُ اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ} وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ مِنْ الْبَيَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ إِلَى أُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ فِي تَوْقيرِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِهِ» اِنْتَهَى.
«لِوَاءُ الْحَمْدِ»:اللواء: الرَّايَةُ، وَلَا يُمْسِكُهَا إِلَّا صَاحِبُ الْجَيْشِ.
ولِوَاءُ الْحَمْدِ عِبَارَةٌ عَنْ الشُّهْرَةِ وَانْفِرَادُهُ بِالْحَمْدِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِحَمْدِهِ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقِيقَةً يُسَمَّى لِوَاءَ الْحَمْدِ.
قُلْت (أي المباركفوري ـ صاحب تحفة الأحوذي): حَمْلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ.
«وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» أَيْ لِلْبَعْثِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بَعْثًا، فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» اهـ بتصرف من (تحفة الأحوذي).

<<  <   >  >>