فإذا كان مولانا - سبحانه وتعالى - في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه يصَلّون على النبي الأمي - صلى الله عليه وآله وسلم - إجلالاً لقدره، وتعظيماً لشأنه، وإظهاراً لفضله، وإشارة إلى قُربه من ربه، فما أحرانا نحن المؤمنين أن نُكثِر من الصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمر الله - سبحانه وتعالى -، وقضاءً لبعض حقه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقد أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، وجعلنا به من خير الأمم، وفضلنا به على سائر الناس أجمعين، وكتب لنا به الرحمة التي وسعت كل شيء {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.
[حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]
في مدى مشروعيّة هذه الصلاة أقوال:
أحدها: تجب في العمر مرة، في الصلاة أو في غيرها، ككلمة التوحيد؛ لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا. والماهية تحصل بمرة.
قال القاضي عياض وابن عبد البر: وهو قول جمهور الأمة.
والثاني: أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.
والثالث: تجب كلما ذُكر.
والرابع: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير.
والخامس: إنها مستحَبّة وليست واجبة.
وهناك أقوال غيرها.
[مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -]
١ - في الصلاة في آخر التشهد: وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الموضع واختلفوا في وجوبها فيه.
وقد استدل من قال بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ». (صحيح رواه أبو داود).
وسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلا يصلي فمجَّد الله وحمِدَه وصلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ادْعُ تُجَبْ وسَلْ تُعْطَ» (رواه النسائي بسند صحيح)
٢ - في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية: لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن السُّنَّة في الصَّلَاةِ علَى الجنَازةِ أنْ يُكَبِّر الإمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبيرة الأولَى سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصَلِّي على النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... » (صحيح رواه النسائي وغيره)
٣ - يوم الجمعة: فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ ـ يَقُولُونَ: بَلِيتَ ـ فَقَالَ: «إِنَّ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» (صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
(فِيهِ النَّفْخَة): أَيْ النَّفْخَة الثَّانِيَة الَّتِي تُوصِل الْأَبْرَار إِلَى النِّعَم الْبَاقِيَة.