* قال الحسن البصري - رحمه الله -: «إن المؤمنَ رُزِقَ حلاوةً ومهابة».
يعني يُحَب ويُهَاب ويُجَلّ بها، ألبسه الله - سبحانه وتعالى - من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشرٌ أحبَّ إلى بشرٍ ولا أهيب وأجَلَّ في صدره من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في صدر الصحابة - رضي الله عنهم -.
قَالَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رضي الله عنه -: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ؛ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقُلْتُ: «ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ»، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي.
قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟»
قُلْتُ: «أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ».
قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟»
قُلْتُ: «أَنْ يُغْفَرَ لِي».
قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ».
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ» (رواه مسلم).
فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشتملاً على ما يقتضي أن يحمد مرة بعد مرة سمي محمداً، وهو اسم موافق لمسماه، ولفظ مطابق لمعناه.
[الفرق بين محمد وأحمد من وجهين:]
أحدهما: أن (محمداً) هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دالّ على كثرة حمْد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه.
و (أحمد) أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فـ (محمد) زيادة حمد في الكمية، و (أحمد) زيادة في الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر.
الوجه الثاني: أن (محمداً) هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم، وأحمد هو الذي حَمْدُه لربه أفضل من حمد الحامدين غيره.
فدل أحد الاسمين ـ وهو محمد ـ على كونه محموداً، ودل الاسم الثاني ـ وهو أحمد ـ على كونه أحمد الحامدين لربه.