وسماه الله - سبحانه وتعالى - إبراهيم: إماماً وأمة، وقانتاً، وحنيفاً. وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٢٤]، فأخبر سبحانه أنه جعله إماماً للناس، وأن الظالم من ذريته لا ينال رتبة الإمامة، والظالم هو المشرك، وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به.
وقال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل:١٢٠ - ١٢١].
فالأمَّة: هو القدوة المعلم للخير، والقانت: المطيع لله الملازم لطاعته، والحنيف المقبل على الله، المعرض عما سواه.
وكان خير بَنِيه ـ سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ يُجِلّه ويعظمه ويبجله ويحترمه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَام ـ». (رواه مسلم).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» (رواه البخاري). (غُرْلًا):غَيْر مَخْتُونِينَ.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أشبه الخلق بإبراهيم - عليه السلام -، كما في الصحيحين عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ـ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ» (رواه البخاري).
وكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يُعَوِّذ أولاد ابنته: حَسَنًا وحُسَيْنًا - رضي الله عنهما - بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق - عليهم السلام -؛ ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ»
(إِنَّ أَبَاكُمَا) يُرِيد إِبْرَاهِيم - عليه السلام -.
(بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ) الْمُرَاد بِالتَّامَّةِ: الْكَامِلَة، وَقِيلَ: النَّافِعَة، وَقِيلَ: الشَّافِيَة، وَقِيلَ: الْمُبَارَكَة، وَقِيلَ: الْقَاضِيَة الَّتِي تَمْضِي وَتَسْتَمِرّ وَلَا يَرُدّهَا شَيْء وَلَا يَدْخُلهَا نَقْص وَلَا عَيْب.