للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال السمين:"قرأ ابنُ عامر: "نُنْسِخْ" بضمِّ النونِ وكسر السينِ من (أَنْسَخَ) قال أبو حاتم: "هو غلطٌ" وهذه جرأةٌ منه على عادَتِه، وقال أبو عليّ (١): ليسَتْ لغةٌ لأنه لا يُقال: نَسَخَ وأَنْسخ بمعنىً، ولا هي للتعديةِ؛ لأنَّ المعنى يجيءُ الأمرُ كذلكَ، فلم يبقَ إلا أَنْ يكونَ المعنى: ما نَجِدْه منسوخاً إلا بأَنْ يَنْسَخَه، فتتفقُ القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ"، فالهمزةُ عنده ليست للتعديةِ. وجَعَلَ الزمخشري (٢) وابنُ عطية (٣) الهمزةَ للتعديةِ، إلا أنهما اختلفا في تقدير المفعولِ الأولِ المحذوفِ وفي معنى الإِنساخ، فَجَعَل الزمخشري المفعولَ المحذوفَ جبريلَ عليه السلام، والإِنساخَ هو الأمرَ بنَسْخِها أي: الإِعلامُ به، وجَعَلَ ابنُ عطية المفعولَ ضميرَ النبي عليهِ السلام، والإِنساخَ إباحةَ النَّسْخ لنبيِّه، كأنه لَمَّا نَسَخَها أباحَ لَه تَرْكَها، فَسَمَّى تلك الإِباحة إنساخاً " (٤).

(تَنْسَهَا) (٥): قراءة في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (٦).

قال الزبيدي:"عامَّة القُرَّاء يَجْعلُونَه مِن النِّسْيان، والنِّسْيانُ هنا على وَجْهَيْن: أَحَدُهما على التَّرْك المَعْنى نَتْرُكُها فلا نَنْسَخها ومنه قولهُ تعالى: "ولا تَنْسَوا الفَضْلَ بَيْنكم"؛ والوَجْه الآخَرْ: مِن النِّسْيان الذي يُنْسَى.

وقال الزجَّاج (٧): وقولُ أَهْل اللغَةِ في قولهِ "أَو نُنْسِها" على وَجْهَيْنِ: يكونُ مِن النِّسْيان واحْتَجُوا بقولهِ تعالى: {سَنُقْرِئك فلا تَنْسَى إلا ما شاءَ الله} (٨)، فقد أَعْلَم الله أَنَّه يَشاءُ أَن يَنْسَى، قالَ: وهذا القولُ عنْدِي غيْرُ جائِزٍ؛ لأنَّ الله تعالى قد أَخْبَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في قولِه: {ولئِنْ شِئْنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنا} (٩)، أنَّه لا يَشاءُ أَن يَذْهَبَ بما أَوْحَى به إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ وقولهُ: "فلا تَنْسى"، أَي فلسْتَ تَتْرُك إلاَّ ما شاءَ الله أَن يَتْرُك قالَ: ويجوزُ أَن يكونَ إلاَّ ما شاءَ الله ممَّا يَلْحَق بالبَشَرِيَّة ثم


(١) انظر الحجة للقراء السبعة: ٢/ ١٨٦.
(٢) انظر الكشاف: ١/ ١٧٨.
(٣) انظر المحرر الوجيز: ١/ ١٧٩.
(٤) الدر المصون: ٢/ ٤١.
(٥) هي قراءة أبي بن كعب، انظر: السبعة لابن مجاهد: ١٦٨، والتيسير لأبي عمرو: ٦٢، والحجة لأبي زرعة: ١١٠، والدر المصون: ٢/ ٤٠، ومعجم القراءات للخطيب: ١/ ١٧١، ومعجم القراءات لمختار:١/ ٢٤٣.
(٦) البقرة: ١٠٦.
(٧) انظر معاني القرآن: ١/ ١٨٩.
(٨) الأعلى: ٦، ٧.
(٩) الإسراء: ٨٦.

<<  <   >  >>