للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَذْكُر بعْدُ ليسَ أنَّه على طرِيقِ السّلْب للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أُوتِيَه مِن الحِكْمةِ، قالَ: وقيل في قولهِ تعالى: {"أَو نُنْسِها} قولٌ آخَرُ، وهو خَطَأٌ أَيْضاً، ونَتْرُكُهَا، وهذا إنَّما يقالُ فيه نَسِيتُ إذا تَرَكْت، ولا يقالُ أُنْسِيتُ تَرَكْت، قالَ: وإنَّما مَعْنى أَو نُنْسِها أَي نَأْمُرْكُم بتَرْكِها". [التاج: نسي]

وقال أبو زرعة في الاحتجاج للقراءتين السابقتين: "أما قراءة أُبَيِّ بن كعب "أَوْ نُنْسِهَا" بضم النون، فمعناها: ننسك نحن يا محمد، وأما قراءة سعد بن أبي وقاص "أَوْ تَنْسَهَا" بتاء مفتوحة، فمعناها: أو تَنْسَهَا أَنْتَ يا محمد، وقراءتهما تدل على النسيان، وإن كان بعضهم أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم أخبر أن الله فعل ذلك به، وليس بين القولين اختلاف لأنه ليس يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما وفقه الله له، إذا أنساه نسي. قال أبو عبيد: "أَوْ نُنْسِهَا" من النسيان، ومعناه أن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه. وقال آخرون منهم ابن عباس: "أَوْ نُنْسِهَا" أو نتركها فلا نبدلها. قال علماؤنا يلزم قائله أن يقرأها "أَوْ نَنْسَهَا" بفتح النون ليصح معنى نتركها، فأما إذا ضمت النون فإنما معناه نُنْسِكَ يا محمد، وهذا لا يكون بمعنى الترك. الجواب عنه يقال نسيت الشيء أي تركته، وأُنْسِيتُهُ أي أُمِرْتُ بتركه فتأويل الآية {ما ننسخ من آية} أي نرفعها بآية أخرى ننزلها "أو ننسها" (١).

(تَزُغْ): قراءة في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (٢). [التاج: زوغ]

ذكر الزبيدي أن الفعل (زاغ) الثلاثي يأتي لازما، نحو: زاغ عن الطريق: مال عنه كما يأتي متعديا، نحو: زاغَ قَلْبَهُ: أَمَالَهُ، وعلى تعدي الفعل، استشهد الزبيدي بِقِرَاءَةٍ قَالَ إِنَّهَا لِنَافِعٍ في الشواذ تقول: {ربَّنَا لا تَزُغْ قُلُوبَنَا} (٣) بفَتْحِ التاءِ، وضَمِّ الزّايِ، ونصب القلوب على المفعولية. كما استشهد على أن (أزاغ) الرباعي بمعنى: أمال أيضا بقراءة الجمهور {لا تُزِغْ قُلُوبَنَا}.

وفي الآية قراءتان أخريان من الثلاثي ذكرهما السمين في سياق تفسير هذه الآية حيث قال: "العامَّةُ على ضَمِّ حرفِ المضارعة من: أزاغ يُزيغ. "قلوبَنا"


(١) الحجة: ١٠٩، ١١٠.
(٢) آل عمران: ٨.
(٣) هي قراءة لنافع، انظر: جامع الأحكام للقرطبي: ٤/ ١٠، ومعجم القراءات للخطيب: ١/ ٤٤٤.

<<  <   >  >>