للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تُصْعِدون في الوادي". والحسن والسلمي: "تَصْعَدون" من صَعِد في الجبل أي رَقِي، والجمع بين القراءتين: أنهم أولاً أَصْعَدوا في الوادي، ثم لَمَّا حَزَبهم العدوُّ صَعِدوا في الجبل، وهذا على رأي مَنْ يفرِّقُ بين: أَصْعَدَ وصَعِد ... وقال المفضل: صَعِدَ وصَعَّدَ وأَصْعَدَ بمعنى واحد، والصعيدُ وجهُ الأرض" (١).

وقال الراغب الأصفهاني: "وأما الإصعاد فقد قيل هو الإبعاد في الأرض، سواء كان ذلك في صعود أو حدور، وأصله من الصعود، وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة كالخروج من البصرة إلى نجد وإلى الحجاز، ثم استعمل في الإبعاد، وإن لم يكن فيه اعتبار الصعود، كقولهم: تعال، فإنه في الأصل دعاء إلى العلو، صار أمرا بالمجيء سواء كان إلى أعلى أو إلى أسفل، قال الله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ}، قيل: لم يقصد بقوله: "إذ تصعدون" إلى الإبعاد في الأرض، وإنما أشار به إلى علوهم فيما تحروه وأتوه، كقولك: أبعدت في كذا، وارتقيت فيه كل مرتقى، وكأنه قال: إذ بعدتم في استشعار الخوف والاستمرار على الهزيمة" (٢).

(يُخْصِفَانِ) (٣): قراءة في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (٤).

قال الزبيدي "ومِن المَجَازِ: خَصَفَ العُرْيَانُ الْوَرَقَ علَى بَدَنِهِ، يَخْصِفُهَا، خَصْفاً: أَلْزَقَهَا، أَي: أَلْزَقَ بَعْضَها إِلى بَعْضٍ، وأَطْبَقَهَا عَلَيْهِ وَرَقَةً وَرَقَةً، لِيَسْتُرَ به عَوْرَتَهُ، وبه فُسِّرَ قَوْلُه تعالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} ... كَأَخْصَفَ، ومنه قِرَاءَةُ ابنُ بُرَيْدَةَ، والزُّهْرِيِّ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: "وَطَفِقَا يُخْصِفَانِ". [التاج: خصف].

فالزبيدي يقرر أن قراءة الجمهور "يَخْصِفَانِ" من (خَصَفَ) الثلاثي، وأن قراءة الزهري "يُخْصِفَانِ" من (أخصف) الرباعي، وأن القراءتين معناهما واحد أي أن خصف الثلاثي بمعنى أخصف الرباعي هنا. وقد ذكر السمين هذا الوجه وزاد عليه وجها آخر، وهو أن تكون الهمزة للتعدية فقال: " قرأ الزهري "يُخْصِفان" مِنْ أخصف وهي تحتمل وجهين أحدهما: أن يكون أَفْعَلَ بمعنى فَعَل.


(١) الدر المصون: ٤/ ٢٠٤.
(٢) مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني: ٢٨١
(٣) هي قراءة ابن بريدة، والزهري، انظر:، المختصر لابن خالويه: ٤٢، والمحتسب: ١/ ٢٤٥، ومعجم القراءات لأحمد مختار عمر: ٢/ ١٦٤.
(٤) الأعراف: ٢٢.

<<  <   >  >>