للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قياسا وأن يفسروا ما ورد فيها من الروايات على أنه من الإبدال الجائز قياسا، لا على اللغات المنتسبة إلى بيئات مختلفة (١).

ويروي صاحب اللسان عن قطرب: " أن قوما من بني تميم يُقَالُ لهم "بَلْعَنْبَرِ" يَقْلِبُونَ السين صاداً عند أربعة أحرف: الطاء، والقاف، والغين، والخاء، إذا كُنَّ بعد السين، ولا يبالون أثانية كانت أم رابعة بعد أن يَكُنَّ بعدها يقولون: سراط وصراط، وبسطة وبصطة، وسيقل وصيقل، وسرقت وصرقت، ومسبغة ومصبغة، ومسدغة ومصدغة، وسَخَّرَ لكم وصَخَّرَ لكم، والسَّخَبُ والصَّخَبُ" (٢).

ومن أمثلة الإبدال بين الصاد والزاي قول الجوهري: العلوز لغة في العلوص (٣) ... والقَنْز لغة في القَنْص وحكى يعقوب أنه بَدَل (٤). ويروي ابن سيده: الحَزْد لغة في الحَصْد مُضَارَعَةً، ومثلها: الزَّقْرُ والصَّقْرُ، مُضَارَعَةً (٥).

وقد حفلت المعاجم العربية المطولة بالحديث عن الإبدال وأنواعه، وخير من يمثل هذا التوجه (المخصص) لابن سيده؛ لأنه عقد بابا للبدل، تناول فيه الحروف التي يقع فيها البدل، والعلة من البدل فأرجعه إلى ثلاثة أسباب هي: طلب الخفة وكثرة الاستخدام ومناسبة الأصوات بعضها البعض. ثم تناول مراتب حروف البدل في القوة والضعف، ثم تناول اللغات التي تبدل فيها السين صادا، ثم عقد بابا لم يجيء مقولا بحرفين وليس بدلا، ثم ختم الباب بما يجري مجرى البدل (٦) وفي خضم تناول المعجميين لهذا الباب كان للقراءات القرآنية دورها البارز في الحفاظ على صور عدة من باب الإبدال الصوتي لم يغفلها المعجميون، بل اتخذواً منها شواهد في معاجمهم على وقوع هذه الظاهرة في اللغة؛ ولأنها صارت قرآناً يتعبد بتلاوته نالت اهتماماً كبيراً من اللغويين والنحويين والقراء على السواء.


(١) عبد الصبور شاهين: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: ٢٩٢، ٢٩٣.
(٢) اللسان: (صدغ).
(٣) هو وجع يصيب البطن ويقال له أيضا اللوى، انظر: الصحاح: (علز).
(٤) اللسان: (قنز).
(٥) اللسان: (زقر).
(٦) انظر: المخصص: ٣/ ٢٧٣ - ٢٨٦.

<<  <   >  >>