للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول: إن التاريخ يتحرك من خلال سِيَر العظماء أو الصفوة. لأن الفكرة، أو نزوع الجماعة وتطلعاتها، تتمثل عادة في شخصية فذّ أو عبقري من الناس تقدم نفسها من خلاله، وتجسد معانيها فيه، وذاك العبقري يحرص على أن يحرك الناس بفكره ولفكره، بل إن الفرد لَيصبح ذلك العبقري عندما تكون فكرته محرِّكة. وعلى ذلك فإن التاريخ هو تاريخ الرجال أيضًا، ولا مناقضة في ذلك، وعند هذا الفهم تلتقي وتتكامل تلك النظريات المتحيزة للفكرة، والأخرى المتحيزة للعبقرية القائدة (١)!

ولكنا جعلنا الأولوية للفكرة لأن الرجال متبدلون، وينبغي أن يظلوا في فلك الفكرة، وإذا كانت الفكرة تضعف وتنهار إن خسرت قيادتها الرشيدة (٢)، فإن الفكرة إذا دارت في فلك الرجال فسوف تؤول إلى صنمية وشخصانية منحرفة، أو إلى إيديولوجية حزبية ضيقة تقتل العصبية الجامعة بدل أن تنعش الروح في الفكرة الحضارية المؤسِّسة (٣).


(١) يميل إشبنجلر إلى التحيز للفكرة، ويميل توينبي إلى التحيز للعبقرية ..
(٢) تسقط الأمم في دور ركود أو انحطاط عندما يتخلف زعماؤها، أو عندما لا تتوافر لها القيادات القوية الأمينة التي تقع موقع القدوة وتحسن تمثيل الفكرة الحضارية للأمة، وتحثّ العامة على الاقتداء وتحمّسهم للعطاء، بالقدر نفسه الذي تستجيب فيه لمتطلبات المرحلة، وتكون فيه على مستوى الموقف؛ إدارةً وأداءً .. كما أن الأمم لأجل ذلك تجدد شبابها بقادتها، وقد كان ما كان من شأن صلاح الدين في تحرير القدس، وقطز والفاتح .. وكذلك يابان في عهد الإمبراطور مايجي .. وفرنسة في عهد لويس الرابع عشر، ونابليون .. وإنكلترة في عهد كرومويل والملكة إليزابيث .. والقائمة طويلة.
(٣) توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ٢/ ٥٧ - ٥٨، الكيلاني، ماجد عرسان: هكذا ظهر جيل صلاح الدين، ص٣٣٨، ٣٩١ - ٣٩٢.

<<  <   >  >>