الجماعية، في حال امتلكت هدفًا تؤمن به وتدافع عنه (١)،
سواء كان
(١) على الرغم من أن توينبي قد نبّه على أن العامل السحري والسرّيّ في تخلق الحضارات ليس "شيئًا مفردًا لكنه متعدد، هو ليس وحدة، لكنه علاقة"، وأن "الخلق وليد لقاء، وأن بدء الحضارة هو حصيلة تفاعل"، ينظر: توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ١/ ١٠١، ١١٢، تفاعل بين طرفين؛ أحدهما التحدي والآخر لم يشغل توينبي نفسه بتعقبه، بل مر به عرضًا على أنه حافز ينشط مع المصاعب مرة، يقول: "الصعوبة والحافز في بيئة معينة ينزعان إلى الازدياد بدرجة مماثلة"، نفسه، ١/ ١٤٧، ومرة أخرى هو هدف يتبلور بضغط التحديات، فكان جلّ ما حظي به من تنويه أن يمرّ بهذا التساؤل: " .. كيف يترتب على هزيمة ساحقة، اشتداد عزيمة جماعة حتى يصبح لنشاطهم هدف أعظم؟ "، توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ١/ ١٨٣. وإذ نعتقد برأي توينبي بأن التحديات تسهم إسهامًا هامًا في توحيد الهدف، وبلورته، وإكسابه معناه في كثير من الأحيان، فإن الهدف ليس ثانويًا أو عرضيًا في عملية الحراك الحضاري، وإلا فلم تتفاوت الاستجابات في وجه التحديات وتتباين، فتكون ناجحة وفاشلة؟! إذًا، لا بد من وجود معادل ما يمنح هذا الشعب أو ذاك سلاحًا فعّالاً يواجه به تلك التحديات. يقول بن نبي: "فالمجتمع لا يمكنه مجابهة "الصعوبات" التي يواجهه بها التاريخ كمجتمع ما لم يكن على بصيرة جلية من هدف جهوده .. "، بن نبي، مالك: شروط النهضة، ص٧١ .. والواضح أن توينبي قد استشعر هذه الفقرة الضعيفة في حبكة نظريته، فحاول حلّ هذا الإشكال فيها من داخلها ودون سعي إلى تطويرها، تمثل هذا الحلّ في قانون "الأثر المتناقص"، فقد وضع توينبي ضابطًا شرطيًا لضمان فعّالية قانون التحدي، فـ"أعظم التحديات حفزًا يوجد في متوسط بين التفريط والإفراط في الشدة"، توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ١/ ٢٣٣. وكان توينبي من قبل قد صنّف التحديات في خمسة أصناف: البلاد الشاقة، والأرض الجديدة، والضربات، والضغوط، والنقم. فيكون التوسط هو عدم اجتماع هذه التحديات كلها جميعًا، لكي تعين عناصر القوة المتوافرة في تحقيق الاستجابة الظافرة.