للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكرة أو مصلحة، فإذا اتحدت الفكرة بالمصلحة كان هذا أدعى إلى الاستقطاب، وفي اندفاع الذات لتحقيق هدفها تغدو التحديات عنصرًا خلاّقًا لاستفزاز طاقة الاندفاع القصوى، وعامل توحيد يستثير رابط العصبية الفطرية تجاه الأخطار وعوامل الاستئصال وتهديد الوجود (١)، بل إن التحديات القاسية قد تسلب الذات عدّتها كلها ولا تترك لها في معركتها ما تخسره (٢)،

فتكون بهذا قد منحتها فرصة


(١) بعد أن استنتج الجابري أن العصبية عند ابن خلدون هي رابطة معنوية تقوم على المصلحة المشتركة، لاحظ أن ابن خلدون يربط "ربطًا مستمرًا بين العصبية والعدوان، فالعصبية عند صاحب المقدمة هي - كما قلنا سابقًا - قوة للمواجهة، لا تبرز ولا تشتد إلا عندما يكون هناك خطر يهدد العصبة في مصلحتها المشتركة"، الجابري، محمد عابد: فكر ابن خلدون - العصبية والدولة، ص١٧٢.
(٢) اشتدي أزمة تنفرجي، هو التعبير الملخص لهذه الحقيقة، ولذلك فإن معظم الثورات والنهضات ولدت بعد معاناة، كالنهضة الغربية، والثورة الفرنسية، وثورة الزنوج في أمريكة .. يصف ديورانت أثر حرب الثلاثين في ألمانية في القرن السابع عشر في استماتة الناس في الكفاح من أجل البقاء، يقول: "وانهارت الأخلاق والروح المعنوية على حد سواء، فإن اليأس المقرون بالإيمان بالقضاء والقدر دعا إلى الوحشية المقترنة بالسخرية. واختفت كل المثل الدينية والوطنية بعد جيل ساده العنف، وكان البسطاء من الناس يكافحون الآن من أجل الطعام أو الشراب، أو يقاتلون بسبب الكراهية"، ديورانت، ول: قصة الحضارة، ٣٠/ ٢١٤. وكما قيل اطلب الموت تمنح لك الحياة، وكذلك هو حال أمتنا في فلسطين والعراق ... بل في كل الديار تواجه تحدياتها الداخلية والخارجية! ولعل صمود المقاومة الفلسطينية في غزة اليوم، وفي معركة الفرقان تحديدًا، أمام الآلة الإسرائيلية الجبارة أدقّ مثال على صحة قانون التحدي، وما منحته ظروف الحصار والقهر من فرصة لتطوير آليات النضال، وحشد الطاقات الداخلية، وتوحيد الصفوف في اتجاه هدف واحد، وبالاستناد إلى منطلق فكري واضح كان هو المعادل الجوهري في معركة الوجود تلك!!

<<  <   >  >>