وصلتها بالحياة، فتتحجر في أصنام تفقد مع الاستهلاك رونقها .. صحيح أن هذه التحديات المفتعلة تفجّر الإبداع، وتحفّز التنافس، وأن الولع النهم في شتى المجالات يدعم الحركة الاقتصادية، وجريان الثروة .. إلا أن ذلك كله يكرّس آثار الترف السلبية في الخصائص النفسية للأمة، ويغرقها في البلادة والكسل، ويمتصّ طاقتها الفائضة في طواحين وهمية (١)
كان الأجدر أن توجّه إلى التحديات الذاتية التي تتعاظم في الداخل انعكاسًا وأثرًا لحالة الترف المتعاظمة.
(١) يكتشف كولن ولسون في كتابه "سقوط الحضارة" أن العقبات محفزة للإرادة والحيوية، و"كلما زاد كفاح الإنسان زادت حيويته. ولهذا استقرت مشكلة الحياة، بالنسبة لي، في مسألة اختيار العقبات لحث إرادتي .. ثم أدركت أن حضارتنا [أي الغربية] تسير في الاتجاه المعاكس وأن كل ثقافاتنا وعلومنا متجهة نحو تمكيننا من ممارسة أقل حد ممكن من إرادتنا. لقد تم تسهيل كل شيء. فإذا وجدنا بعد أسبوع من العمل الروتيني في الدوائر والذهاب والإياب في الباصات أننا ما نزال في حاجة إلى أن نفعل شيئًا آخر لتصريف طاقات أخرى فينا ففي وسعنا أن نستمتع بالألعاب المختلفة التي تشتمل على العقبات المصطنعة، حيث تمارس الإرادة في التغلب على فريق آخر في لعبة الكركيت، أو كرة القدم مثلاً، أو نصارع ذلك المخلوق الخيالي الغامض الذي يعد حقل مسابقة الكلمات المتقاطعة في الصحف. وقد اخترعنا أيضًا شكلاً من أشكال التفكير يتناسب تمامًا مع هذا التنازل عن الإرادة، وأعني الفلسفة التجريدية التي هي من حيث جوهرها نتاج الحضارة الغربية". ولسون، كولن: سقوط الحضارة، ص١٠ - ١١. ولهذا يكون هذا الطور من الحضارة هو طور العقل، وينفسح فيه المجال لظهور العلوم النظرية المعقدة، وشيوع الأمراض النفسية المترَفة التي تتفاوت في الحضارات المختلفة بين الإحباط واليأس والمرض العصابي المزمن بحسب طبيعة الفكرة الحضارية ومحتواها.