للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهاك ـ أيها الحبيب ـ قصة الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم ورحلته في طلب العلم على صغر سنه وحاجته، ودور المعلم في حث الطالب وتشجيعه على طلب العلم وعانته على تخطي العوائق والظروف. ولك أن تنظر كم من الأجر العظيم لهذا المعلم ـ وهو أبو حنيفة ـ عندما أخرج عالماً مثل أبي يوسف.

قال علي بن ديجور: أخبرني أبو يوسف قال: توفي أبي؛ إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيراً في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه، فكنت أدع القصار وأمر على حلقه أبي حنيفة فأجلس فيها، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة لأستمع درسه، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة: إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي فدعه يكسب دانقاً كل يوم يعود به على نفسه، فقال لها أبو حنيفة: يا امرأة! إني أرى في ابنك عقلاً فدعيه يطلب العلم، وما يدريك أن يأتي عليه يوم يأكل الفالوذج بدهن الفستق ـ وهذه أكلة لا يأكلها إلا الخلفاء في ذلك الزمان لندرتها وغلاء ثمنها.

قال أبو يوسف: فجعلت أتعاهد مجلس أبي حنيفة، وفي أول يوم أتيته جلس معي حتى انصرف الناس فدفع لي صرة فإذا فيها مائة درهم وقال لي: الزم الحلقة وإذا نفدت هذه فأعلمني، فلزمت مجلسه، فلما مضت مدة يسيرة دفع إلي مائة أخرى، ثم كان يتعاهدني فما ترك لي خلة، فنفعني الله بعلمه حتى تقلدت القضاء زمن الخليفة الأموي،

ثم في زمن هارون صار لقبي قاضي القضاة؛ لأني كنت أرسل القضاة

إلى الأقاليم، وكنت أجالس الرشيد، فبينا أنا ذات يوم عنده إذ أتي

<<  <   >  >>