للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بطعام فقال لي: كل من هذا يا أبا يوسف فإنه لا يصنع لنا في كل وقت. قلت: وما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا الفالوذج بدهن الفستق .. ! ! فتبسمت: فقال الرشيد: ما لك تبتسم؟ فقلت: لا شيء، أبقى الله أمير المؤمنين، وألح علي وقال: لتخبرني. فقصصت عليه القصة فقال: إن العلم ليرفع وينفع في الدنيا والآخرة، ثم قال: رحم الله أبا حنيفة؛ فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه.

وهذا مثل آخر يبرز حرص الآباء على تعلم أبنائهم، رغم بعدهم عنهم وعلمهم بمشقة السفر ومخاطر الطريق وبعد المفازة، ولكنهم آثروا فقد أكبادهم في سبيل طلبهم للعلم ونفع أنفسهم ومن ثم الإسلام والمسلمين.

قال علي بن عاصم الواسطي: دفع إلي أبي مائة ألف درهم، وقال لي: اذهب وسافر لطلب العلم، ولا أرى وجهك إلا ومعك مائة ألف حديث، فسافر وارتحل وطلب العلم، ثم رجع لنشره حتى كان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثين ألفاً (١).

وقال المعتمر بن سليمان: كتب إلي أبي. وأنا بالكوفة: اشتر الصحف، واكتب العلم؛ فإن المال يفنى، والعلم يبقى (٢).

هذه صور مشرقة من حرصهم على أبنائهم ومتابعتهم وحثهم على طلب العلم؛ فإنه لا يثني عن طلب العلم ولا يحقره إلا جاهل لا يعلم خير دينه ودنياه. كما قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يثبط عن طلب العلم إلا جاهل.


(١) تذكرة الحفاظ ١/ ٣١٧.
(٢) روضة العقلاء ص ٣٩.

<<  <   >  >>