للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورغم أعمارهم القصيرة إلا أن الله نفع بعلمهم الأمة، ولا يزال يطرق آذننا كل يوم: قال ابن مسعود، وقال النووي رحمهم الله جميعاً.

وحدث الإمام الشافعي عن نفسه فقال: كنت يتيماً في حجر أمي، فدفعتني إلى الكتاب ولم يكن عندها ما تعطيه للمعلم، فكان المعلم يرضى مني أن أخلفه إذا قام، فما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع المسألة أو الحديث فأحفظها، ولم يكن عند أمي مال تعطينيه لأشتري به ورقاً وقراطيس أكتب فيها، وكنت أتتبع العظام والخزف وأكتاف الجمال وسعف النخل، فأكتب فيها الحديث، فإذا امتلأ طرحته في جرة كانت لنا في البيت، ثم إن الجرار التي في البيت قد كثرت، فقالت لي أمي: إن هذه الجرار قد ضيقت علينا البيت، فأقبلت على هذه الجرار أحفظ ما فيها ثم ألقيها، ثم بعد ذلك يسر الله لي السفر إلى اليمن (١).

وكان سبب تبكير سفيان لطلب العلم والاشتغال به تشجيع أمه له، وحضها له عليه، وتوجيهها له أن يستفيد مما يعلم ومن مجالسة العلماء، وينبغي أن يؤثر العلم في سلوكه وأدبه ومعاملته للناس وإلا فما فائدة العلم؟

فقد قالت لسفيان وهي تدفع به إلى حلقات العلم

ومجالسة المشايخ: يا بني! خذ، هذه عشرة دراهم، وتعلم عشرة أحاديث، فإذا وجدتها تغير في جلستك ومشيتك وكلامك مع الناس فأقبل


(١) جامع بيان فضل العلم وأهله ١/ ٩٨.

<<  <   >  >>